«الجنسية حق لي ولأسرتي» كان عنوان الحملة الإقليمية العربية التي أطلقتها سبع منظمات نسائية غير حكومية في سبعة بلدان عربية على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، سلطت فيها الضوء على حرمان المرأة العربية من أبسط حقوق المواطنة وهو حق المرأة في منح جنسيتها لأولادها وزوجها وبيّنت ميدانياً، مدى معاناة الأسر التي حرم فيها الأولاد والزوج من جنسية البلد الذي يعيشون فيه، بلد الأم، والذي يعدونه الوطن الأم لا يعرفون لهم وطناً غيره.
لقد كشفت مجريات الحملة الإقليمية العربية عورة القوانين التمييزية ضد المرأة في جميع البلدان العربية، وأظهرت بوضوح مدى النقص الفاضح في حقوق المواطنة التي يجب أن تتمتع بها المرأة المناضلة بلا كلل من أجل أسرتها ومجتمعها ووطنها، وعرّت الأنظمة العربية وفضحت مدى تهاونها في الإقدام على إجراءات، لا تتطلب شجاعة فائقة لإزالة بعض أشكال التمييز هذه إن لم نقل كلها. وإذا انطلقنا من أجواء آذار وما يحفل به كل عام من خطابات التمجيد للمرأة العربية ودورها في مقاومة الاحتلال، وصيانة الأسرة وحمايتها، خطابات تتغنى بأمجاد المرأة، تاريخياً وآنياً وبما أثبتت من كفاءات وقدرات على صعيد البناء الوطني والاجتماعي والسياسي ناهيك عن أناشيد التبرّك بالأم المقدّسة، أقول، إذا انطلقنا من هذا كله سوف نكشف بيسر مدى الزيف والنفاق في هذه الخطابات جميعاً. إذ ما إن يصل الأمر إلى حد المطالبة بتغيير، ولو جزئي، في وضع المرأة القانوني القائم على التمييز ضدها حتى تنكفىء العبارات الطنانة وترتدي لبوس القرون الوسطى وتُبتلع لتغص بها الحلوق وتشرق بها الحناجر رافضة كل تغيير ويبدأ بعض صناع القرار، بل بعض صانعاته أيضاً في وضع العصي في العجلات وفلسفة التمييز إلى درجة القول بأن التغييرات القانونية التي تطرحها الحركة النسائية العربية تحطّ من قدرها وأن ما تحظى به حالياً من مكانة تليق بالأميرات هو أمر تفتقر إليه معظم نساء العالم. وإذاً فهم لا يكتفون بالصمت بل يقلبون الأمور عملاً بالمبدأ القائل: خير أشكال الدفاع هو الهجوم. ولا يتمكّن هذا الموقف المتخلف من الحركة النسائية ولا يفلّ إرادتها في سعيها الدائب للتغيير الذي يليق بها انطلاقاً من قناعة راسخة بأن المستقبل سيكون أفضل مهما حاول البعض تأجيله وإدراكاً منها أنها على حق في ما تصبو إليه من مواقع في الأسرة والمجتمع والدولة ومثلما لم يمنع وجود القوانين التمييزية النساء من التمرّد عليها وتحدّيها فإن مواقف الحكومات العربية من كل أشكال التغيير، وتسويفها المستمر في تسوية الأوضاع القانونية للنساء العربيات لن تزيدهن إلا إصراراً على تسويتها باتجاه المساواة التامة في الحقوق المدنيّة وفي حقوق المواطنة الكاملة وفقاً لما نصّت عليه معظم الدساتير العربية وتضمنته الاتفاقات والعهود الدولية التي وقعت عليها هذه الحكومات مهما بذلت من جهود للالتفاف عليها، ومهما تسلحت به من ذرائع سوف تسقطها الحياة نفسها. لقد بيّنت الحملة الإقليمية الإمكانات الكامنة في كل منظمة وفيها مجتمعة. وأظهرت قدرة النساء على التعاطي مع معطيات الواقع بإحساس عال بالمسؤولية حين قصرت بعض المنظمات حملتها على حق الأولاد في جنسية أمهاتهم مراعية الحساسيات السياسية التي يخلقها الوضع العربي الشائك والمعقّد كما حدث في مصر وسورية واليمن والبحرين وتعدّت منظمات أخرى ذلك إلى المطالبة بتغيير جذري في قانون الجنسية وفقاً لمبدأ المساواة التامة وطالبت بحق المرأة في نقل جنسيتها للأولاد والزوج كما جرى في الجزائر والمغرب ولبنان. وقد أظهرت نتائج الحملة إمكانية نجاح الحركة النسائية العربية في انتزاع بعض الحقوق هنا وهناك كما حدث في مصر والجزائر وجزئياً في اليمن والمغرب الأمر الذي أحيا الآمال بتوالي التغييرات لتطال كل شكل من أشكال التمييز ضد المرأة في الأسرة والمجتمع وفي القوانين التمييزية المتمثلة بخاصة، في قوانين الأحوال الشخصية وقانون العقوبات والجنسية. نوال اليازجي نون النسوة 2006 |