ما شعرت بثقل الكتابة كما شعرت اليوم فالخوف والضعف خواطر تلوح أمامي، قد يكون الشوق سببها فكل امرأة منا تحمل في داخلها يأس ما.
رنين الهاتف يقطع عليّ خواطري ليعلن أن ولدي على الطرف الآخر وسمعت زوجي يقول له ألف ألف مبـروك. رفعت السماعة وأصغيت لحديثه كانت فرحته بحصوله على جنسية أجنبية بعد ثلاث سنوات من الزواج حدثا جللا. أكمل ضحكته بشيء من السخرية “يا هيك النسوان يا بلا”، صمت لثوان لكنه أضاف: أليس صحيحاً أنه مضى على زواجك بأبي ثمان وعشرون عاماً، عشنا حياتنا كلها في سورية لكن بقي اسمنا الأجانب.. زوجتي بعد ثمان وعشرين عاماً تستطيع أن تعطي جنسيتها لأكثر من ثلاثة أجيال قادمة. ضحكت وقلت له أجل أجل معك كل الحق.. رد علي أمي لا تغضبي إن تأجيل الحق هو الباطل بعينه. لم أستطع أن أمنع دمعة سقطت من عيني فالقدر رهيب غريب.. عجيب. عرفت لماذا كنت أحس بالخوف والضعف فالقتل لا يكون دائماً بالسيف فهناك ما هو أدهى وأمر وهو قتل النفس والروح. لم تعد هناك وسيلة لأعيدهم إلى جوانحي وجوارحي فحلاوة النصر أنستهم مرارة الحرمان.. غريبون أبناؤنا يتمسكون بالانفصال وبجنسية أجنبية يتفاخرون. عدت بذاكرتي لسنين خلت ما زال صوتهم يرن في أذني كلما عدنا من سفر إلى سوريا أقف أنا في صف السوريين وهم بصف الأجانب ويسألني صغاري لماذا؟ كنت أضحك وأرد عليهم بأنها إجراءات روتينية. إلى أن تخرجا من الجامعة وعرفا ما معنى أنهم أجانب لا عمل لهم.. لا إقامة لهم.. بالرغم من أن أمهم سورية. إذن ليس القدر غريبا وما قام به ولدي ليس بعجيب إنه القانون قانوننا السوري الذي فرّق وميّز بين المرأة والرجل بالرغم من أن التمييّز على أساس الجنس هو انتهاك لمبادئ المساواة في الحقوق وهو عقبة كبيرة في تطور المجتمع والأسرة وهو ما ورد نصه في دستور البلاد لعام 1973 حيث كان النص صريحاً. إن المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات وهذا قطعاً يشمل النساء دون تمييز أو تفضيل. لكن المرأة السورية المتزوجة بغير سوري تعيش وأطفالها في معاناة مستمرة، ولو عدنا بقراءة سريعة لمواد الدستور نجد أنه في بعض المواد، أنصف المرأة وكفل لها الحرية والفرص في الحياة كالمادة 45 التي تنص على أن تكفل جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالية والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع الاشتراكي. كذلك بالعودة إلى الخطاب السياسي لرئيس الجمهورية والتوجهات العامة للحكومة ندرك تماماً بأن هذه المواد من الدستور من شأنها حماية المرأة وصونها من كل تمييز أو غبن قد يلحق بها وأن ليس هناك ما يمنع من إعطاء المرأة جنسيتها لأطفالها طالما أن الدستور تعامل مع المواطن، سواء كان رجلا أو امرأة، بالتساوي في الحقوق والواجبات. لكننا نجد أن التمييز واضحاً في نص قانون الجنسية السوري 276 فالمادة 3 تنص على أن العربي السوري حكماً من ولد في داخل القطر العربي السوري أو خارجه من والد عربي سوري. كذلك المادة 18 ـ تنص على منح الجنسية لزوجة الأجنبي المكتسب الجنسية وقد غفل الدستور هنا عن ذكر أي كلمة عن المواطنة السورية المتزوجة من عربي أو أجنبي وعن حقها في ضم أولادها الشرعيين بموجب الزواج في حين تمنح الجنسية السورية لطفل المرأة السورية الذي لم يثبت نسبة لأبيه أي (الغير شرعي) وأيضاً للمولود مجهول نسب الأم والأب أي (اللقيط) وبذا فقط منح القانون حق اللاشرعي على الشرعي. إن هذه المواد التمييزية في قانون الجنسية لا بد من تعديلها وصولاً إلى المساواة مما يقوي الشعور بالمواطنة الحقيقية عند المرأة وأولادها كما أن تضمين الدساتير نصوصاً تشير إلى مساواة المرأة بالرجل لا تكفي لتحقيق دفعة حقيقية للتقدم في إطار الحياة العامة بل على الحكومات العمل الحثيث لرفع المعاناة والإحساس المرير بالغربة لدى الأبناء في بلد الإقامة التي يشعرون بالانتماء إليها ويعاملون معاملة الغرباء، فعلى الحكومة أن تصدر مرسوماً يمنح أولاد المرأة السورية المقيمين في سوريا لأكثر من خمس سنوات إقامة دائمة ريثما يحصلوا على جنسية الأم. كذلك إعطاء الأم السورية المتزوجة بغير سوري حق الولاية على أبنائها لتسهيل الإجراءات المختلفة (سفر، وثائق) في حال غياب الأب. وعلى النساء المتضررات رفع دعوى جماعية في المحكمة الدستورية العليا لتناقض مواد قانون الجنسية مع الدستور العام للبلاد ولتكن الاقتراحات والتعديلات كما يلي: ـ من ولد في القطر العربي السوري أو خارجه من والد عربي سوري أو من والدة عربية سورية. ـ إضافة عبارة ومن تزوج بامرأة عربية سورية إلى كل مادة تتحدث عن منح الجنسية للأجانب. ـ تمنح الجنسية لزوجة الأجنبي ولزوج الأجنبية التي تكتسب الجنسية العربية السورية وكذلك الأولاد القاصرين. ـ يجوز منح الجنسية للأولاد الراشدين لوالد أو لوالدة اكتسبت هذه الجنسية. إن قضية الجنسية ليست قضية المرأة فقط وإنما هي حق من حقوق الإنسان وهي قضية الطفل أيضاً. وقد قامت كل من تونس والمغرب ومصر بتعديل هام في هذه القضية ومنحت المرأة هذا الحق. لكننا هنا لا نملك سوى المناداة والمطالبة بتعديل هذا القانون وتوحيد الجهود التي تبذل لبناء مجتمع متماسك تمثل المرأة نصفه كذلك تعزيز صرح الديمقراطية والحداثة بمساهمة كل جديد بتضمن تدابير الحد من معاناة المرأة السورية المتزوجة بأجنبي. فالمرأة ما زالت ضحية القوانين القديمة ومن المهم جداً أن تصبح الأسرة تحت رعاية الزوجين بقانون جديد للأسرة يبدد الفكرة القائلة أن الإسلام لا يتلاءم مع الحداثة.
سوسن رسلان رابطة النساء السوريات/جلسة استماع 2004 |