تحفظات سيداو مقارنة بين التحفظ والقانون
تم التصديق على اتفاقية السيداو في سورية بالمرسوم رقم 330، ولكن مع التحفظ على المادة (2), والمادة (9) الفقرة الثانية، والمادة (15) الفقرة الرابعة . والمادة (16) الفقرات – ج- د- و- ز- والبند الثاني منها والمادة (29).
عادة التحفظات تتخذ بحق المواد التي لا تتناسب مع القوانين المحلية أو الدستور, أو تخالف أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية .وهذا كان سبب التحفظات السورية على السيداو
وبقراءة بنود المواد المتحفظ عليها ولو بدأنا من المادة الثانية الفقرة (أ): إدماج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية أو تشريعاتها المناسبة الأخرى، إذا لم يكن هذا المبدأ قد أدمج فيها حتى الآن،وكفالة التحقيق العملي لهذا المبدأ من خلال التشريع وغيره من الوسائل المناسبة”
نجد أن إدماج مبدأ المساواة بين الرجل والمرآة الوارد ذكره في الفقرة يؤيد ما أكدت عليه المادة الخامسة والعشرون، الفقرة (3) ” المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات”.
والمادة (45 “تكفل الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع العربي الاشتراكي”.المتضمنة المساهمة الفاعلة والكاملة للمرأة في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, وإزالة القيود التي تمنع ذلك, من الدستور السوري .
فالفقرة جاءت منسجمة مع الدستور, لكن.. مختلفة مع القوانين التي تتناقض والاعتراف بمساواة المرأة مع الرجل. الفقرة (ب): اتخاذ المناسب من التدابير، تشريعية وغير تشريعية، بما في ذلك ما يناسب من جزاءات، لحظر كل تمييز ضد المرأة” .
والتي تضمنت اتخاذ التدابير التشريعية وغير التشريعية واتخاذ جزاءات في المقابل وهذا يعني.. في حال قبول هذه الفقرة دون أي تحفظ فان ذلك سيفتح بابا عريضا أمام كل المطالبات المجتمعية من جهات حكومية ومدنية بغية تغيير بعض أشكال التمييز ضد المرأة المتجسدة بعضا منها في قانون الأحوال الشخصية والذي يرتبط بالأسرة من أكبر إلى أقل و أبسط حقوقها, والمطالبة بتعديل القانون ليقترب ضمن حد أدنى من المعايير الدولية لحقوق الإنسان ووفق ما تم المصادقة عليه في اتفاقية السيداو .
الفقرة (ج):
“فرض حماية قانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل،وضمان الحماية الفعالة للمرأة، عن طريق المحاكم ذات الاختصاص والمؤسسات العامة الأخرى في البلد، من أي عمل تمييزي”
المادة تطالب بفرض حماية قانونية للمرأة من أي عمل تمييزي .
قد يبدو ذلك من الوهلة الأولى انه غير مخالف لقوانيننا لكن الأفعال التمييزية للمرأة تندرج ضمن الكثير من القوانين و العديد من الخطوات التي تتخذ, ولا يتم فيها حتى الاعتراف بالمرأة كفرد لها حقوق المواطنة في بلدها, فكيف لها بالحماية القانونية وخاصة في ظل وجود قوانين تحمي قتلة النساء وتعطيهم العذر المحل في فعل القتل .
الفقرات :
(د) ” الامتناع عن مباشرة أي عمل تمييزي أو ممارسة تمييزية ضد المرأة،وكفالة تصرف السلطات والمؤسسات العامة بما يتفق وهذا الالتزام”.
(هـ) : ” اتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة من جانب أي شخص أو منظمة أو مؤسسة”.
هذه الفقرات تطالب بالامتناع عن أي عمل أو ممارسة تمييزية ضد المرأة وكفالة تصرف السلطات والمؤسسات
ويبدو أن التحفظ جاء تأكيدا على أن أي إجراء يساعد على منع أي ممارسة أو إجراء تمييزي ضد المرأة سيبقى بعيدا عن أي تعديل أو إلغاء طالما لا تزال هناك العديد من الإجراءات التي تتخذ وتمثل تمييزا واضحا ضد المرأة, وكان آخرها.. تجاهل حقها في التدفئة من الدولة .
الفقرات:
(و) اتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعي منها، لتغيير أو إبطال القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزاً ضد المرأة.
(ز) إلغاء جميع الأحكام الجزائية الوطنية التي تشكل تمييزاً ضد المرأة
التي تتضمن تغيير لكل من التشريع والأعراف والقوانين والممارسات التي تشكل أفعالا تمييزية ضد المرأة, علما أن الممارسات والأعراف ليست إلا وليدة للقوانين التي تعزز قوة هذه الأعراف .
التحفظ القائم على المادة (9) الفقرة الثانية والذي نص على :
“- تمنح الدول الأطراف المرأة حقا مساويا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالهما”
جاء نتيجة لتناقض المادة مع قانون الجنسية في المادة الثالثة منه والتي نصت على :
يعتبر عربياً سورياً حكماً:
أ ـ من ولد في القطر أو خارجه من والد عربي سوري.
ب ـ من ولد في القطر من أم عربية سورية ولم تثبت نسبته إلى أبيه قانوناً.
ج ـ من ولد في القطر من والدين مجهولين أو مجهولي الجنسية أو لا جنسية لهما ويعتبر اللقيط في القطر مولوداً فيه وفي المكان الذي عثر عليه فيه ما لم تثبت العكس.
د ـ من ولد في القطر ولم يحق له عند ولادته أن يكتسب بصلة البنوة جنسية أجنبية.
هـ ـ من ينتمي بأصله للجمهورية العربية السورية ولم يكتسب جنسية أخرى ولم يتقدم لاختيار الجنسية السورية في المهن المحددة بموجب القرارات والقوانين السابقة.
هذه المادة التي تجاهلت أيضا المرأة السورية التي تعيش على الأراضي السورية, وتتمتع بالجنسية السورية في حقها إعطاء جنسيتها لأطفالها, علما أن هذا ليس إلا تأكيدا واضحا بأن المرأة لا تتمتع بالحقوق المساوية لها للرجل في القانون, وتأكيدا على أن كل ما تعانيه المرأة السورية وأطفالها من تشتت وعدم الشعور بالاستقرار والآمان نتيجة لضياع حقها وحق أطفالها لم يعتبر حتى الآن أولوية لمجتمعنا .
التحفظ على الفقرة الرابعة من المادة (15) والتي نصت على :
“- تمنح الدول الأطراف الرجل والمرأة نفس الحقوق فيما يتعلق بالتشريع المتصل بحركة الأشخاص وحرية اختيار محل سكناهم وإقامتهم ”
جاء التحفظ بخصوص حرية السكن والتنقل للمرأة, فالبند كان واضحا بعدم فرض سكن على المرأة لا ترضاه ولا تشعر بالرغبة بالسكن به وهذا يتعارض مع المادة رقم (70) من قانون الأحوال الشخصية التي نصت على :
“تجبر الزوجة على السفر مع زوجها إلا إذا اشترط في العقد غير ذلك, أو وجد القاضي مانعا من السفر” .
وقد استخدام المشرع لفظ أو مصطلح “الإجبار” في المادة وليس التخيير!!
وفي حال تركت أو رفضت المرأة بيت الزوجية, وبدون مسوغ شرعي, تصبح ناشزا, علما أن المسوغ الشرعي حسب القانون هو دفع معجل المهر من قبل الزوج وتهيئة المسكن..
فإذا.. لا مجال للمرأة في قانونا باختيار مكان الزوجية فهو حق مطلق للرجل كما كل أدوات هذا الارتباط, وهذا يتنافى مع ما نادت به الاتفاقية بان حق اختيار السكن لكلا الزوجين .
التحفظ في المادة (16) جاء لان المساواة حسب الاتفاقية في الفقرة (ج) والتي نصت عليه :
” نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه”
يجب أن تكون بين الطرفين أثناء الزواج وعند إنهاؤه فيما يخص الحقوق والمسؤوليات بين الزوجين وهذا غير موجود في عقود الزواج لدينا فحق الزوجة الوحيد في هذا العقد هو المهر الذي لا يتم إلا بتسميته, لكن هذا الحق يضيع عند أول خلاف وحال الاتفاق على الطلاق أو المخالعة .
الفقرات:
(د) نفس الحقوق والمسؤوليات بوصفهما أبوين، بغض النظر عن حالتهما الزوجية،في الأمور المتعلقة بأطفالهما وفي جميع الأحوال، يكون لمصلحة الأطفال الاعتبار الأول
(و) نفس الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم، أو ما شابه ذلك من الأعراف،حين توجد هذه المفاهيم في التشريع الوطني، وفي جميع الأحوال يكون لمصلحة الأطفال الاعتبار الأول.
(ز) نفس الحقوق الشخصية للزوج والزوجة بما في ذلك الحق في اختيار اسم الأسرة والمهنة ونوع العمل.
تتعارض بشكل كامل مع ما جاء في قوانيننا فيما يخص الزواج والطلاق الذي يتم بإرادة واحدة, أو غيابيا بالطلاق التعسفي , الحضانة, وإلغاء مسؤولية الأب حال الطلاق بتأمين مسكن الحاضن والمحضون , كذلك الأم حال الطلاق أو وفاة الزوج لا تمتلك ولايتها على أولادها حسب شروط الولاية والقوامة والوكالة القضائية التي تكون للأب ثم للجد العصبي دون غيرهما حسب ما نصت عليه المادة (170) الفقرة الأولى :” للأب ثم للجد العصبي ولاية على نفس القاصر وماله وهما ملتزمان القيام بها:
والمادة(172) :
” للأب وللجد العصبي عند عدمه دون غيرهما ولاية على مال القاصر حفظاً وتصرفاً واستثماراً”
كما أن المرأة لا تستطيع اختيار عملها أو العمل دون موافقة الزوج, وفي حال العمل دون إرادته تعتبر المرأة حسب المادة (73) ” يسقط حق الزوجة في النفقة إذا عملت خارج البيت دون إذن زوجها”
ناشزا ويسقط حقها في نفقتها الزوجية ولأجل ذلك تم التحفظ على الفقرة(ز) من المادة.
البند الثاني من المادة (16):
” 2- لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أي أثر قانوني، وتتخذ جميع الإجراءات الضرورية بما في ذلك التشريعي منها، لتحديد سن أدنى للزواج ولجعل تسجيل الزواج في سجل رسمي أمرا إلزامياً”
والذي تم التحفظ مع انه يولي بالدرجة الأولى مصلحة الطفل بعدم الاعتراف بأي خطوبة أو زواج إلا ضمن سن معين يؤهله لذلك, ويستنتج معيار السن الصحيح بسن الثامنة عشرة استنادا إلى المادة الأولى من اتفاقية حقوق الطفل:
“لأغراض هذه الاتفاقية، يعنى الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه”
والتي اعتبرت كل شخص تحت هذا السن هو طفل علما إن هذه المادة لم يتم التحفظ عليها في اتفاقية حقوق الطفل بينما هنا تم الوقوف عندها ..
بينما المادة (16) من قانون الأحوال الشخصية نصت:
” تكمل أهلية الزواج في الفتى بتمام الثامنة عشرة وفي الفتاة بتمام السابعة عشر من العمر”
.مع السماح باستثناءات دائمة يحددها القاضي حددتها المادة (18) :
1- إذا ادعى المراهق البلوغ بعد إكماله الخامسة عشرة أو المراهقة بعد إكمالها الثالثة عشرة وطلبا الزواج يأذن به القاضي إذا تبين له صدق دعواهما واحتمال جسميهما
2- إذا كان الولي هو الأب أو الجد اشترطت موافقته
مع معرفة أن سوء هذه الاستثناءات التي سمح بها القانون هي السبب في زيادة الزواج المبكر الذي ينعكس سلبا على المجتمع.
إن مجموع هذه التحفظات التي نالت إجماعا تشريعيا ومحليا لدينا..
ليس إلا إقرارا واعترافا وجاهيا من الدولة بحق كل امرأة سورية بانتقاص حقيقي وكامل لمواطنتها ضمن أي حق من حقوقها السياسية أم القانونية أم الاجتماعية أو الاقتصادية والتي هي في المحصلة انتقاص صريح فيما يخص الاعتراف بإنسانيتها..
نحن لسنا بحاجة إلى تكريس هذه التحفظات ودعمها في قوانيننا وأعرافنا بقدر ما نحن بحاجة إلى التعجيل بتعديل هذه القوانين بما يتفق مع حقوق المرأة وإنسانيتها باعتبارها شخص له كامل الحقوق, كما مطالب منها كامل الواجبات .
عندما نعجل بإعطاء المرأة كافة حقوقها عن طريق مساواتها في القوانين والتشريعات الوطنية فإننا نعجل بذلك برفع سوية المجتمع ليصل إلى درجة مقبولة في حماية وصون الحريات الشخصية واحترامها عن طريق احترام حقوقها.