تقدمت رابطة النساء السوريات بمذكرة إلى السيدات والسادة أعضاء مجلس الشعب لتعديل الفقرة (أ) من المادة الثالثة من قانون الجنسية السوري وذلك في إطار حملتها لتعديل القانون نحو منح الأم السورية المتزوجة بغير السوري الحق في إعطاء جنسيتها لأولادها، والآن وبعد عامين من تقديم المذكرة ورفع مشروع تعديل للقانون من خمسة وثلاثين عضواً في المجلس لم نصل إلى النتيجة المرجوة. وعند الاستفسار غالباً ما نجاب بأن هناك عائقين أمام تعديل هذا القانون الأول هو ما يخص النساء المتزوجات بسوريين مجردين من الجنسية (أكراد) والثاني ما يخص السوريات المتزوجات بفلسطينيين وانعكاسات هذا الأمر على حق العودة للفلسطينيين.
بداية لا بدّ من التأكيد على أن رابطة النساء السوريات إنما انطلقت من حملتها هذه من مبدأ حقوق المواطنة المتساوية لكل من الرجال والنساء (أبناء وبنات الوطن) وهو ما يكفله الدستور السوري في مادته الخامسة والعشرين البند الثالث “المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق الواجبات”. وهذا الحق هو من الحقوق المطلقة في الدستور التي لا تقيّد بقانون ما أو أي شيء آخر. و بالتالي فإن أي قانون لا يساوي بين المواطنين جميعاً – نساءً ورجالاً – يكون مخالفاً للدستور في مبادئه العامة وهذا يفرض تعديلاً له لينسجم مع الدستور! و إذا أردنا أن نتناول ما يتردد عن العائقين (دون رد واضح ورسمي ولا نعرف لماذا) فإننا نقف أولاً أمام “العائق الأول”. يدرك الجميع في سورية أن تجريد بعض السوريين من جنسيتهم في الإحصاء الاستثنائي /1962/ مشكلة تتطلب حلّاً وطنياً ديمقراطياً، وجرى التأكيد أكثر من مرة وعلى لسان السيد رئيس الجمهورية بأنها في طريقها إلى الحل ولعلّ التعديل المطلوب لقانون الجنسية إحدى بوابات حل هذه المشكلة. أما فيما يتعلق بـ “العائق الثاني” وهو انعكاس تعديل القانون على حق العودة للاجئين الفلسطينيين فلا بدّ لنا من استعراض القرارات الدولية الناظمة لحق العودة وقرارات جامعة الدول العربية ذات الصلة لنتبيّن حقيقة هذا الإدعاء. يعتبر القرار الدولي رقم (194) تاريخ 11 كانون الأول 1948 القرار الأساسي في التأكيد على هذا الحق وتنظيم ممارسته، وجاء في بنده الحادي عشر: “تقرر (الجمعية العامة) وجوب السماح بالعودة، في أقرب تاريخ عملي، للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم….ووجوب دفع التعويض ….” وعرفت إرشادات الأونروا (بعد التعديل النهائي كانون الثاني 1993) المتعلقة بالتسجيل والأهلية لاجئ فلسطين بأنه: “أي شخص كانت فلسطين مكان إقامته المعتاد خلال الفترة من 1 حزيران 1946 إلى 15 أيار 1948 وفقد منزله وسبل معيشته معاً نتيجة الصراع سنة 1948” (2 – 13). وتعترف وثائق الأونروا بأن هناك لاجئين غير فلسطينيين ينتمون لإحدى عشرة جنسية أخرى (عربية وغير عربية) ينطوون تحت مسمى “لاجئي فلسطين” وهم والمتحدرون منهم والمولودون بعد 14 أيار 1948 (3 – 1 – 5) يحتفظون بحقهم في خدمات الأونروا بمن فيهم المرأة المسجلة المتزوجة من رجل غير مسجَّل (3 – 1 – 6). و هذا يعني أن حق العودة للاجئين هو حق مضمون (قانونياً) بغض النظر عن الجنسية التي يحملها اللاجئ. وفي هذا الصدد يقول د.سلمان أبو ستة عضو المجلس الوطني الفلسطيني وأحد أهم الناشطين في قضايا حق العودة : ” إن العودة إلى أرض فلسطين حتى لو كانت تلك الأرض دولة فلسطينية لا تسقط عنه صفة اللاجئ قانونا ووجدانا وفعلا ما دام اللاجئ لم يعد إلى موطنه الأصلي ( القرية ، الحقل ، المنزل ) ، وبالطبع فان التوطين في أي بلد عربي – بما في ذلك دولة فلسطين لو -قامت- لا يلغي صفة اللاجئ .” ( الانترنت ومحاضرة ألقاها د. أبو ستة في المركز الثقافي في المزة – دمشق ) و من المفيد التذكير بأن القرار الدولي رقم (302) بتاريخ 8 كانون الأول 1949 والقاضي بتأسيس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل الفلسطينيين في الشرق الأدنى (UNRWA) قد استند على أحكام الفقرة /11/ من القرار (194) لعام 1948. أما بالنسبة لقرارات جامعة الدول العربية المتصلة بموضوع اللاجئين فتتمثل ب : قرار جامعة الدول العربية رقم 426/د16، بتاريخ 23/9/1952، ص99 اللاجئون الفلسطينيون إن مجلس الجامعة يقرر تبني قرارات اللجنة السياسية التالية: قامت ” اللجنة السياسية” بدراسة موضوع اللاجئين الفلسطينيين، وقامت بمراجعة ظروفهم وكافة الطرق لإيجاد حلولٍ لها، بناءاً على ذلك اتخذت القرارات التالية: 1) تنصح اللجنة السياسية الحكومات العربية بأن عليهم مواصلة أشكال التمثيل المختلفة لحماية حقوق عرب فلسطين، ومواصلة المطالبة بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة، وبالتحديد تلك التي لها علاقة بعودة اللاجئين إلى ديارهم وتأمين استعادتهم لممتلكاتهم وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بها. 2) تنصح اللجنة السياسية الدولة المضيفة للاجئين الفلسطينيين بأن عليهم، كلٍ بحسب مسؤولياته، الموافقة على تنفيذ مشاريعتؤدّي إلى تحسين ظروف سكنهم و(مشاريع توفّر) فرص عمل لهم، وكذلك أية مشاريع قد تحسّن ظروفهم بشكل عام. ويجب تمويل مثل هذه المشاريع التي ستتولى الأونروا مهمة تنفيذها. ويكون الاتفاق مع الأونروا مشروطاً بأن لا يقدم أي من هذه المشاريع إقامة دائمة، وكذلك الإشارة إلى الحق الكامل للاجئين في العودة إلى ديارهم .
قرار جامعة الدول العربية رقم : 914 / د 23 تاريخ : 31/3/1955 منح جنسية بعض الدول العربية للاجئين الفلســــطينيين يقرر المجلس الموافقة على توصية لجنـــة الشؤون السياسية الآتية: نظرت لجنة الشؤون السياسية بمذكرتي الأمانة العامة ووزارة الخارجية للجمهورية العربية المتحدة بشأن منح بعض الدول العربية جنسيتها للاجئين الفلسطينيين العرب المقيمين في أراضيها. وأحاط بما تتخذه الدول الأعضاء في هذا الشأن. ” واللجنة إذا تؤكد قرارات مجلس الجامعة السابقة في هذا الشأن توصى حكومات الدول الأعضاء أن تنظر بعين العطف إلى تهيئة فرص العمل للاجئين الفلسطينيين المقيمين في أراضيها مع الاحتفاظ بجنسيتهم الفلسطينية كمبدأ عام”. إضافة إلى اتفاقية الجنســــــــــية التي نصت على: المادة الأولى: يعتبر عربيا في أحكام هذه الاتفاقية كل من ينتمي بجنسيته إلى إحدى الدول العربية الأعضاء. المادة السادسة: لا يقبل تجنس أحد رعايا دول الجامعة العربية بجنسية دولة أخرى من دول الجامعة إلا بموافقة حكومته وتزول عنه جنسيته السابقة بعد اكتسابه الجنسية الجديدة. المادة السابعة: لكل عربي ولد في غير بلده من بلاد دول الجامعة حق اختيار جنسية البلد الذي ولد فيه خلال السنة الأولى من تاريخ إتمامه الثامنة عشر ميلادية متى وافقت على ذلك حكومتا البلدين وتسقط عنه في حالة اكتسابه هذه الجنسية جنسيته السابقة. وبروتوكول كازابلانكا الذي ولد مع تحفظات العديد من الدول العربية والتي قللت من إمكانية الاستفادة منه وبخاصة بعد التعديلات التي طرأت عليه بعد حرب الخليج الثانية حيث دفع اللاجئون الفلسطينيون في عدد من الدول العربية وبخاصة دول الخليج ثمنا باهظا لعدوان العراق على الكويت وصل إلى حد الترحيل . أما حول تنفيذ هذه القرارات فيمكن تلخيصها بالرأي التالي: مدى تنفيـذ قرارات جامعة الدول العربية. الاعتبارات السياسية والقوانين الوطنية المحلية عادةً ما كانت تلغي العمل بمعايير جامعة الدول العربية وبروتوكول كازابلانكا. بالرغم من التزام الدول بمعاملة اللاجئين بنفس درجة معاملة المواطنين فيما يتعلّق بالتشغيل والتوظيف، الحق في الدخول والخروج، والحصول على وثائق السفر اللازمة والتأشيرات والمواطنة. و يحظى اللاجئون الفلسطينيون بمعاملة مشابهة لتلك التي يحظى بها الأجانب في كل من مصر ليبيا، العراق، الكويت، ودول خليجية أخرى. أما في الأردن سوريا، الجزائر، والمغرب فيحظى اللاجئون الفلسطينيون بنفس المعاملة التي تتوفّر للمواطنين من أهل تلك الدول. هذا وقد دلّت تحقيقات مؤتمر المشرفين على الشؤون الفلسطينية، على أن مستوى تطبيق معايير جامعة الدول العربية حول معاملة الفلسطينيين في بعض الدول الأعضاء متدنّ، في أعقاب حرب الخليج الثانية، عندما تبّنت الدول الأعضاء في الجامعة العربية قرار 5093، في العام 1991، الذي يخول الدول بمعاملة اللاجئين الفلسطينيين بموجب المعايير والتشريعات الوطنية التي ترتئيها الدولة المضيفة مناسبة، بدلا من الالتزام ببنود “البروتوكول”. ولقد وقعت جامعة الدول العربية ومفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين اتفاقية تعاونا تستطيع من خلاله التشاور بشكل دوري، التمثيل الرسمي، تبادل الوثائق والمعلومات، والتعاون مع وكالة الغوث الدولية.( موقع بديل الخاص باللاجئين الفلسطينيين ) إضافة إلى أن هذه القرارات كانت قد صدرت في أعقاب نكبة فلسطين مباشرة وبالتالي يمكن فهمها في إطارها الزمني والسياسي أما أن تصبح مجرد نصوص مقدسة على الرغم من عدم الأخذ فيها خلال عشرات السنين فأمر يثير الاستغراب . كما أن القرار الخاص بالجنسية قد جرى تجاوزه في أغلب الدول العربية التي سمحت لمواطنيها بحمل جنسية عربية إضافة إلى جنسيتهم الأصلية ، ومن بين هذه الدول الجمهورية العربية السورية والتي يحمل الآلاف من أبنائها جنسيات عربية مختلفة عدا عن الآلاف الذين يحملون جنسيات أجنبية . لقد تبين من خلال استعراض القرارات العربية والدولية السابقة أن حق العودة والتعويض حقان مضمونان بغض النظر عن الجنسية التي يحملها اللاجئ الفلسطيني وأن المشكلة ليست في حصوله على جنسية أخرى أم لا بل في عدم تطبيق قرارات الشرعية الدولية وبخاصة القرارين 242 و194 وما يتصل فيهما . ولعل من المهم التأكيد على أن تقصير الدول العربية في تحقيق المعادلة المطلوبة لإحقاق حقوق الشعب الفلسطيني العادلة جعل من معاناة أبناء وبنات هذا الشعب الشقيق معاناة كبيرة في ظل تغليب القرارات المعلقة والشعارات الطنانة على الالتفات إلى سبل إدماجهم في المجتمعات التي يعيشون فيها مع الحفاظ على حقوقهم المشروعة . إننا نعلم كما يعلم الجميع أن الفلسطينيين في سوريا يعاملون معاملة السوريين في الإقامة والعمل ولكن هناك أحكام خاصة بهم في مسائل أخرى كمسألة التملك ، إضافة إلى أن عدم حصول أبناء السورية المتزوجة من فلسطيني على جنسية والدتهم يعقد معاملات سفرهم خارج القطر فالأم السورية تستطيع أن تغادر إلى عدد من الدول العربية دون الحاجة إلى تأشيرة دخول بينما قد ترفض نفس الدول دخول الفلسطينيين – أبناء المرأة السورية – إليها . وقبل هذا وذاك فإننا نعود لنؤكد على أن المقاربة التي نعتمدها هي مقاربة الحقوق المتساوية للمواطنين جميعا نساء ورجالا في سبيل ترسيخ دولة القانون والعدالة القائمة على مبدأ المواطنة . سوسن زكزك نون النسوة |