المصدر: تجمع سوريات من أجل الديمقراطية
خرج البحث الذي أنجزته رابطة النساء السوريات وقدمت له السيدتان نوال يازجي وصباح حلاق في المنتدى الاجتماعي 4-10-2010 بعنوان التمييز في قانون الأحوال الشخصية عن المألوف عندما اخترن للبحث الوقوف على التمييز القائم في مختلف قوانين الأحوال الشخصية في سورية وليس كما جرت العادة في اقتصار الطرح على التمييز القائم في قانون الأحوال الشخصية العام “للمسلمين فقط. ولعل في هذا محاولة جدية لتوجيه النظر إلى بقية القوانين التي لا يخلو أي منها من مواد تمييزية ضد المرأة ظلت بعيدة عن التناول، في الوقت الذي أُشبع فيه القانون النافذ نقداً وتحليلاً واستعراضاً.
وقد اُتبع في البحث منهج المقارنة بين مختلف قوانين الأحوال الشخصية من أجل التعبير عن فكرة مفادها أنه لا يوجد في سورية قانون أحوال شخصية واحد خال من التمييز، فكانت الفرضية التي انطلق منها: “التمييز ضد المرأة قائم في جميع قوانين الأحوال الشخصية، للطوائف كافة، ويترك آثاراً سلبية على تمكين النساء في جميع مجالات حيواتهن “الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية”.” قبل أن ينتقل إلى إيراد تعريفات أساسية أريد بها ضبط المنهج العلمي المتبع في البحث والتي ُحددت استنادا على المعايير الدولية كتعريف التمييز و من ثم تعريف قوانين الأحوال الشخصية موضوع البحث ونظام الطوائف الدينية.
وجاء في مكونات البحث:
المنظومات الفكرية المؤثرة في المجتمع السوري.
التطور التاريخي لقوانين الأحوال الشخصية.
أوجه التمييز في أحكام قوانين الأحوال الشخصية وأثرها على حياة النساء.
أثر القوانين التمييزية على مشاركة المرأة في عملية التنمية.
جدلية العلاقة بين القوانين والعرف الاجتماعي.
مواقف واتجاهات في معالجة قضايا التمييز في الأحوال الشخصية.
نتائج وتوصيات.
ففي المنظومات الفكرية المؤثرة في المجتمع السوري جاء في العرض:
بُنيت أحكام قوانين الأحوال الشخصية على مفهوم قوامة الرجال على النساء، ويرتبط مفهوم القوامة، في أذهان الناس ولدى كثير من الباحثين والمعنيين، من الجنسين، بالدين الإسلامي، حصرا، وذلك لعدة أسباب:
الأول: ورود نص صريح في القرآن حول القوامة.
الثاني: أن الغالبية العظمى من سكان سورية هم من المسلمين.
الثالث: فيتعلق بكون قانون الأحوال الشخصية للمسلمين قانونا عاما في ما يتعلق منه بالإرث والولاية والوصاية والحضانة وغيرها، قبل صدور المرسوم الأخير.
وتم في هذا الفصل استعراض مفهوم القوامة في اليهودية والمسيحية إضافة إلى مفاهيم عصر النهضة والماركسية وخلص إلى عدد من النتائج في هذا الشأن هي :
نتيجة 1
ظلت النظرة للمرأة ودورها أسيرة ما يسمى الفكر الديني المحافظ، في اليهودية والمسيحية والإسلام، على السواء، وينعكس هذا بوضوح في قوانين الأحوال الشخصية للطوائف، كافة، و مازال الفكر الديني المتشدد يتحكم في حق النساء بالمساواة مع الرجال.
وما تزال إشكالية المقدس هي سيدة الإشكاليات في معالجة قضايا المرأة، بعامة، وحقوقها ودورها في الأسرة، بخاصة.
نتيجة 2
امتداد تأثير الفكر المحافظ هذا إلى عدد من القوانين الأخرى المتصلة بحياة النساء ودورهن بعملية التنمية المستدامة انطلاقا من حق الولاية المطلق للذكور في العائلة على الإناث. ويتجلى هذا التأثير، أكثر ما يتجلى، في قانون العقوبات وبخاصة فيما يتعلق ب”جرائم الشرف”، والسماح الاجتماعي بالعنف الممارس على النساء إضافة إلى قانون الجنسية وعدد من الممارسات الاجتماعية الأخرى.
نتيجة 3
اقتصر تأثير مفاهيم الفكر الحداثي النهضوي والماركسي على صوغ بعض القوانين المدنية المتعلقة بحقوق النساء في الفضاء العام على أساس الحقوق المتساوية، في العمل والتعليم والتأمينات الاجتماعية والحقوق السياسية،إلا أن هذا التأثير لم يمتد إلى قوانين الأحوال الشخصية
نتيجة 4
وجود تيارات تنويرية دينية تعمل على إحلال المفاهيم القائمة على العدالة من خلال الاجتهاد في وضع تفاسير أقل تشددا للنصوص الدينية في التعامل مع حقوق النساء.
إلى جانب ذلك تظهر تيارات حداثية ونهضوية، علمانية ومدنية، تتصدى للتعصب الديني والفكر المتشدد، تنطلق من حق المساواة وتسود في أوساط النخب الثقافية، من الجنسين، إضافة إلى عدد من المنظمات والجمعيات والناشطات النسويات.
وفي السياق التاريخي لقوانين الأحوال الشخصية فما يزال القرار رقم 60 ل.ر. الصادر عنِ المفوضِ السامي د. دي مارتيل 1936، والمعروفُ بنظامِ الطوائفِ الدينيةِ، هو الذي ينظم الاعتراف بالشخصيات الاعتبارية للطوائف في سوريا، وحقوقها الخاصة بتقنين أحوالها الشخصية.
واللافت أن القرار المذكور تضمن إشارة صريحة إلى أن غير الدينيين، أو الذين لا ينتمون لطائفة ما، يخضعون “للقانون المدني في الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية، الأمر الذي يشير إلى أنه كان هناك أحكام مدنية متضمنة في القانون المدني العام، يمكن لغير الدينيين، أو لأتباع الطوائف التي لا يعترف بها وفق نظام الطوائف الدينية، أن يحتكموا إليها.
الفصل الأكثر أهمية في البحث هو الفصل الثالث الذي تناول التمييز في جميع قوانين الأحوال الشخصية. جاء في العرض:
يظهر التمييز بقوة في جميع قوانين الأحوال الشخصية، موضع البحث، وبخاصة في مسائل الزواج والطلاق والنفقة والحضانة والعدة والولاية والوصاية والإرث.
تستند جميع القوانين دون استثناء، في أحكامها، إلى مفهوم القوامة التي تتجلى في مسائل الولاية والوصاية التي تمنح لذكور العائلة على إناثها “الأب، الزوج، الأخ، العم، الجد، وصولاً إلى الأبن”.
جميع التعديلات التي جرت على عدد من قوانين الأحوال الشخصية (القانون العام، قانون الأحوال الشخصية للروم الارثوزكس والسريان الارثوزكس) لم تلامس جوهر التمييز وكانت ضئيلة وشكلية بالعموم؛ باستثناء التعديلات على قانون الطوائف الكاثوليكية الذي نحا باتجاه حق المساواة، لكنه لم يتمكن من الوصول إلى هدفه، وأبقى على حق الولاية للذكور وفقا لمبدأ “السلطة الأبوية.
ومما تضمنه العرض التشريعات القانونية الواردة في قوانين الأحوال الشخصية في المسائل التالية:
—في تعريف الزواج وأحكامه
تتفق قوانين الأحوال الشخصية على تعريف الزواج بأنه عقد بين رجل وامرأة يبيح ممارسة الجنس الشرعي ” ”نكاح”، “الاقتران الجنسي الطبيعي”، “مداواة الشهوة”. ومعظم القوانين تربط غاية الزواج بالإنجاب، ” الزواج عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعاً غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل”
تخلو جميع قوانين الأحوال الشخصية من النص الصريح على المساواة في الحقوق بين الزوجين ومن مفاهيم الشراكة وتقاسم المسؤوليات والواجبات، مما يجعل مؤسسة الزواج مؤسسة ذكورية بامتياز. فممارسة الجنس حق للرجل وواجب على المرأة “ليس للمرأة منع الرجل عن نفسها بغير عذر شرعي وإلا عرضت حقوقها للضياع”
ويستشفّ من تعريف الزواج أن المقصود بالإنجاب هو إنجاب أطفال الرجل، الذي يتمتع بحقوق “النسب والولاية والوصاية ….” وينتج عن ذلك كله أن تكون النساء هن العامل المهمش في هذه المؤسسة، وهذا يفسر شرعية الاغتصاب الزوجي: المادة 489 من قانون العقوبات “من أكره غير زوجه بالعنف أو بالتهديد على الجماع عوقب بالأشغال الشاقة خمس عشرة سنة على الأقل”.
القانون الوحيد الذي ينص على المساواة في تعريف الزواج هو قانون الأحوال الشخصية للطائفة الأرمنية وذلك في المادة44:” إن الزواج يوجب على الرجل والمرأة حسن المعاشرة طيلة حياتهما والاقتران الجنسي الطبيعي والأمانة والمساعدة المتبادلة على مبدأ المساواة”
وفقا لشرط الولاية في عقد الزواج تجبر أعداد من النساء على الزواج بمن لا يرغبن “الأمر الذي يعني سنوات من الحياة المشتركة مع رجل مجبرة لا مخيرة في طاعته وخدمته ومشاركته الفراش”
ورد في الفصل الثامن لقانون السريان الارثوزكس 2003، في المادة 33: الزوجة ملزمة بمطاوعة زوجها بعد العقد، وعليها مرافقته إلى أي محل كان وإن نأى إلاّ عند الاضطرار واقتناع المحكمة الكنسية بأعذارها.
في سن الزواج/ 1
تتفق جميع قوانين الأحوال الشخصية على تحديد سن زواج الإناث بأقل من السن المحدد للذكور، من حيث المبدأ، ماعدا قانون الروم الأرثوذكس أما الخطورة فتكمن في الاستثناءات التي تسمح بزواج الصغار وبخاصة الفتيات دون السن المحدد في أحكام القوانين ذاتها
—في سن الزواج
تحدد المادة 16 من القانون العام سن الزواج بـ 18 للفتى و17 للفتاة. أما الاستثناء فيأتي في الفقرة الأولى من المادة 18 من القانون “إذا ادعى المراهق البلوغ بعد إكماله الخامسة عشرة أو المراهقة بعد إكمالها الثالثة عشرة وطلبا الزواج يأذن به القاضي إذا تبين له صدق دعواهما واحتمال جسميهما”.
ولا تحدد المادة /307/ المتعلقة بطائفة الدروز في قانون الأحوال الشخصية العام سن الزواج، بل تترك للقاضي التثبت من أهلية العاقدين
يحدد الأحوال الشخصية للروم الأرثوذكس سن الزواج بسن الرشد
ونلحظ الاستثناء في تتمة الفقرة (أ) “وعند الضرورة يجوز عقد الزواج بين طالبيه إذا تمتعا بالأهلية القانونية ولم يكن طالب الزواج دون السابعة عشرة من العمر وطالبة الزواج دون الخامسة عشرة مع مراعاة حال البنية والصحة وموافقة الولي وإذن راعي الأبرشية”.
النتيجة
ان السماح بتزويج الصغيرات يلعب دورا كبيرا في إعاقة نمو الفتيات نفسيا وجسديا وعاطفيا ومعرفيا وتنمويا وتنسحب هذه الآثار جميعا على حياة الأسرة ونموها في جميع المناحي، ويشرّع استغلال الصغيرات فيما يسمى “الزواج السياحي” حيث يجري بيعهن للأثرياء خارج البلاد بعيداً عن أدنى شروط الحماية الأسرية التي يجب توفرها، الأمر الذي قد يعرض الصغيرات إلى أشكال من الاستغلال أشد بشاعة.
—في الولاية
تمنح جميع قوانين الأحوال الشخصية حق الولاية “مطلقاً” لذكور الأسرة ولا تمنحها للنساء، حتى أن قانون الأحوال الشخصية للكاثوليك الذي سمح، بعد تعديله 2006، بنقل الولاية إلى الأم قد اشترط سقوط حق الأب في الولاية، وبعدها فقط، تكون الولاية للأم، وفق شروط حددتها المادة 91 منه. وكذلك أعطى قانون الأحوال الشخصية للسريان الارثوزكس حق الولاية لعائلة الأم في الولاية ولكن بالدرجة الثانية، وفي الخطبة فقط.
الولاية في الزواج في القانون العام:
المادة 21: الولي في الزواج هو العصبة بنفسه على ترتيب الإرث بشرط أن يكون محرما. مما يعني أن الولاية محصورة بالأب والجد العصبي وإن علا ،الأخوة: الأخوة لأب – العمومة ،البنوة وإن نزلت.وهذا يجعل الابن في مراكز الولاية الأولى على الأم وله كامل حقوق الولي عليها وله فسخ الزواج إن زوجت نفسها من رجل غير كفء.
المادة 27: إذا زوجت الكبيرة نفسها من غير موافقة الولي فان كان الزوج كفؤاً لزم العقد وإلا فللولي طلب فسخ النكاح.
المادة 148 -1- : ليس للأم أن تسافر بولدها أثناء الزوجية إلا بإذن أبيه.
الولاية في قانون الأحوال الشخصية للكاثوليك:
المادّة 87: السلطة الوالدية أو الولاية الأبوية هي مجموعُ حقوق الوالدين على أولادهم وواجباتُهم نحوهم، في النفس والمال، إلى أن يدركوا سن الرشد، سواء أكان هؤلاء الأولاد من زواج شرعي أم من تبنٍّ صحيح.
المادّة 91: الإرضاعُ يختص بالأم. أمّا سائرُ حقوق وواجبات السلطة الوالدية فمحصورةٌ مبدئياً بالأب، لكنها تنتقل إلى الأم عند سقوطِ حقه فيها أو حرمانِه منها بشرط أن تكون الأم أهلاً وتتثبت المحكمة من أهليتها وتمنحها إعلاماً بانتقال هذه السلطة إليها
الولاية في الأحوال الشخصية لطائفة السريان الارثوزكس:
”المادة 6: الولاية في الخطبة تكون للأب، فالجد لأب، ثم الأخ فابن الأخ، ثم العم فابن العم، ثم الجد لأم، ثم الخال فابن الخال، ثم مطران الأبرشية أو نائبه….“
المادة 81: الولاية على القاصر شرعاً وطبيعياً هي أولاً للوالد ما لم يكن محجوراً عليه أو مفارقاً الدين أو متعذراً عليه القيام بواجب الولاية، ثم لمن يوليه الأب نفسه قبل موته من المسيحيين.
الولاية في الأحوال الشخصية للمذاهب الإنجيلية
المادة 34: الزوجة مديرة شؤون المنزل الداخلية ولها الحق أن تنفق من مال زوجها أو على حسابه في سبيل اللوازم المنزلية ضمن المخصصات التي يعينها لها الزوج، ولها بعد الزوج الحق الأول في الولاية والوصاية على الأولاد.
الولاية في الأحوال الشخصية لطائفة الأرمن الأرثوذكسية:
المادة 48: لا يمكن للمرأة أن تهتم بعمل أو أن تمارس مهنة إلا بموافقة زوجها المباشرة أو غير المباشرة. إذا رفض الزوج إعطاء الموافقة وأثبتت الزوجة أن مصلحة الاتحاد والعائلة تقضي أن تهتم بعمل أو أن تمارس مهنة يمكن لمحكمة البداية أن تعطي الإذن المطلوب
—في الطلاق،الفسخ،الهجر، انفكاك الزواج وبطلانه:
يعد الطلاق حقاً مطلقاً للرجل، في القانون العام أما المرأة فلا تطلق بل لها حق طلب التفريق لأسباب محددة هي (للعلل – للغيبة – لعدم الإنفاق – للشقاق)
وتتضمن أحكام الطلاق حقوقا للرجال دون النساء، مثل :
امتلاك الزوج حق الطلاق بإرادة منفردة ”الطلا ق التعسفي“
وحقه في إرجاع زوجته في الطلاق الرجعي بالقول أو بالفعل ودون إرادتها ودون علمها،
هو صاحب الحق في تفويض الزوجة بتطليق نفسها، أي حين تكون العصمة بيد الزوجة، وهذا التفويض لا يحجب عنه الحق بتطليقها بإرادته المنفردة.
بالنسبة لطائفة الموحدين ” الدروز“:
تختلف الأحكام المتعلقة بالطلاق عن القانون العام في:
و ـ لا يقع الطلاق إلا بحكم القاضي وبتقرير منه.
ز ـ لا يجوز عودة المطلقة إلى عصمة مطلقها
أما الطوائف المسيحية فيقع الطلاق فيها عموما في حالة الزنى من قبل أحد الزوجين، وتنفرد الطوائف الكاثوليكية بأنها لا تسمح بالطلاق أبدا، بل ببطلان الزواج
ويتساوى الزوجان في أحكام الطلاق والهجر وبطلان الزواج وفسخه في قوانين الأحوال الشخصية للطوائف: الإنجيلية، الأرمنية الارثوزكسية، الكاثوليكية
أما قوانين الأحوال الشخصية للروم الأرثوزكس والسريان الأرثوزكس فتتضمن تمييزًا في أحكامها بين حقوق الزوج والزوجة في طلب فك الزواج كما يلي:
المادة 69 في الأحوال الشخصية للروم الارثوزكس : يعد بحكم الزنى تطبيق أحكام المادة /68/ بناء على طلب الزوج، وذلك على سبيل المثال لا الحصر.
إذا غافلت زوجها وباتت خارج بيت الزوجية دون رضاه في مكان مشتبه به إلا إذا كان زوجها قد طردها من منزله أو مارس العنف حيالها فلها حينئذ أن تلجأ إلى بيت والديها أو إحدى نسيباتها وفي حالة عدم وجودهم فإلى مكان أمين لا شبهة فيه.
وجاء في المادة 48 من قانون الأحوال الشخصية لطائفة السريان الأرثوزكس: يحكم بالهجر أو الفراق في الحالات الآتية:
إذا حكمت المحكمة الكنسية على الزوجة بأن تتبع رجلها إلى محل إقامته ورفضت ذلك أو حكمت عليها بالعودة إلى البيت الزوجي وعيّنت لها مهلة للعودة ولم تعد ولم تقدّم عذراً شرعياً.
المادة 54: الفقرة 4: إذا أتلفت الزوجة زرع الرجل عمداً يفسخ الزواج.
تتضمن قوانين الأحوال الشخصية تمييزا واضحا بين حقوق الرجل وحقوق المرأة في الطلاق ولا تقل آثارالطلاق أوالأشكال الأخرى من التفريق شدة على النساء المسيحيات عن غيرهن من المسلمات أو الدرزيات، نظراً للوضع الاقتصادي والاجتماعي والقانوني المتشابه بين جميع النساء.
تفقد المرأة كل مساهماتها المالية في ممتلكات المنزل ما لم تحتفظ بوثائق تثبت هذه المساهمات وتشترك في ذلك جميع القوانين، باستثناء قانون الطوائف الكاثوليكية الذي مكّنها من الاحتفاظ ببيت الزوجية في حال إبطال الزواج من قبل الزوج أو وفاته.
النظرة الذكورية المجتمعية تعتبر النساء المطلقات والأرامل مستباحات مما يعرضهن للتحرشات من قبل الذكور سواء في مجال العمل أو العائلة
—العدّة
فرضت قوانين الأحوال الشخصية: العام والأرمن الارثوزكس والموسويين العدة على المرأة، بعد الطلاق أو وفاة الزوج. هذا ولم تتضمن بقية القوانين أية أحكام تتعلق بالعدة.
في المادة 121القانون العام عدة المرأة غير الحامل للطلاق أو الفسخ :
ثلاث حيضات كاملات لمن تحيض ولا تسمع دعوى المرأة بانقضائها قبل مضي ثلاثة أشهر على الطلاق أو الفسخ.
سنة كاملة لممتدة الطهر التي يجيئها الحيض أو جاءها ثم انقطع ولم تبلغ سن اليأس، وثلاثة أشهر للآيسة.
—مواقف واتجاهات في معالجة قضايا التمييز
موقف الجهات الحكومية من قوانين الأحوال الشخصية:
وضعت الحكومة السورية عدداً من الخطط والاستراتيجيات بهدف تغيير أو تعديل عدد من القوانين التمييزية كقوانين الأحوال الشخصية والجنسية والعقوبات إلا أن أي تغيير في هذه القوانين لم يحدث فعليا، على العكس من ذلك، فقد طرحت الحكومة مشروعاً لقانون الأحوال الشخصية في منتصف الشهر الرابع لعام 2009 أكثر تخلفا من القانون النافذ، وبعد فشل المشروع الأول بشهرين قدمت رئاسة الوزراء مشروعاً جديداً لقانون الأحوال الشخصية يقارب القانون المعمول به حاليا، وجرى إيقاف المشروعين المذكورين على أرضية المقاومة التي أبدتها قوى المجتمع المدني وتجاوب الإرادة السياسية.
مواقف عدد من الجهات الدينية المتشددة من قوانين الأحوال الشخصية:
رفض كل تغيير في القانون العام ، بل يتشددون في مهاجمة دعاة التغيير، ويرون أن قوانين الأحوال الشخصية هي من الثوابت وليست من المتغيرات بسبب علاقتها الوطيدة بالشريعة. ويدافعون عن قانون الأحوال الشخصية النافذ ولا يرون فيه ثغرة، أو نقص، ”وهو ما يمنح المجتمع السوري خصوصيته“، ويتهمون المدافعين عن حقوق المرأة بالعمالة للغرب، ويتفق في ذلك المتشددون من مختلف الأديان.
موقف المجتمع المدني من قوانين الأحوال الشخصية:
جرى رصد مواقف المجتمع المدني منظمات وأفرادا من خلال عدد كبير من الدراسات والمقالات التي كتبها مثقفون وإعلاميون وناشطون، من الجنسين في السنتين الأخيرتين بخاصة، ومن خلال وثائق الجمعيات والمنظمات غير الحكومية، وكذلك من خلال حلقات النقاش مع النساء والرجال المعنيين/ات، ومن خلال المقابلات مع عدد من رجال الدين و ناشطي /ات المجتمع المدني، وتبعا لذلك أمكن رصد ثلاثة اتجاهات أساسية في الموقف من قضايا التمييز القانوني ضد النساء،بينها الكثير من المشترك، ويكمن الاختلاف بينها في رؤيتها لآليات التغيير، ومنطلقاته، إلى هذا الحد أو ذاك:
اتجاه يدعمه عدد هام من دعاة الإصلاح الديني المتنورين من جميع الطوائف، وعدد آخر من الناشطين/ات يقول بالتعديلات التدريجية على عدد من أحكام قوانين الأحوال الشخصية من خلال تحديث الاجتهادات الدينية، خاصة الفقهية، أي عبر قراءات فقهية جديدة تنسجم مع احتياجات العصر دون الوقوع في تناقض مع الشريعة،. ويرون في ذلك أماناً وضماناً لإمكانية الطرح والتنفيذ في المرحلة الحالية التي تتحكم بها أمور في غاية التعقيد، أهمها اشتداد نفوذ التيارات الدينية المتشددة التي تقاوم كل تغيير أو تعديل في قوانين الأحوال الشخصية؛
الاتجاه الثاني: يلجأ إلى صيغ” آمنة التبعات ” فيتحدث عن ضرورة تعديل القانون النافذ باتجاه قانون أسرة عصري واحد لجميع السوريين، ويضع الأسس التي يجب أن يقوم عليها هذا القانون ويطالب بالاستناد الى الدستور والى الالتزامات الدولية بحق المساواة، دون أن يشير الى المرجعيات الدينية، ودون ان يذكر القانون المدني، صراحة، ولا يقدم هذا الاتجاه معالجات أو حلولاً واضحة لاشكالية التعددية الطائفية التي تميز المجتمع السوري، وبالتالي تعدد قوانين الاحوال الشخصية فيها، ويمثله، عدد كبير من المثقفين والإعلاميين والناشطين والسياسيين، من الجنسين.
أما الاتجاه الثالث فهو لا يستنكف عن السير في الاتجاه الأول أو الثاني، وفقاً للممكن، إلا أنه يرى ضرورة تغيير هذه القوانين جذرياً بما ينسجم مع الواقع الفعلي للمرأة السورية ومع منحى التطور في ذهنية المجتمع. ويستند في ذلك إلى الدستور وشرعة حقوق الإنسان والاتفاقات والعهود الدولية التي صادقت عليها سورية، ويرى أن ضمان المساواة الحقوقية بين الجنسين هي وجه من وجوه مؤسسة المواطنة التي لا تستند في أي مكان إلى الدين أو الأمة الدينية، بل تتكون في إطار دولة المواطنة ويطرح هذا الاتجاه، دون لبس، ضرورة إقرار قانون أسرة مدني عام لجميع السوريين.
—تحديات:
التمييز في قوانين الأحوال الشخصية يبدو شديد التعقيد بسبب وجود عدد من قوانين الطوائف التي تتحكم بحياة النساء، وجميعها تعزو أحكامها الى الشرائع المقدسة، مما يجعل كل عمل او نشاط من أجل المساواة في الحقوق بين النساء والرجال في مواجهة مباشرة مع الدين، بخاصة بعد ان اشتد تأثير القوى الدينية المتشددة في الذهنية المجتمعية الذي انسحب على عدم تنفيذ السياسات العامة المتعلقة بحقوق النساء، المقرة، في السنوات العشر الأخيرة؛
—توصيات:
من أجل استئصال شأفة التمييز ضد النساء لابد من الاعتراف بوجوده، فالاعتراف بوجود المشكلة هو الخطوة الاولى التي تمهد السبيل الى البحث في تجلياتها واسبابها وفلسفتها، من حيث الاساس، وتساعد في بلورة سبل حلها.
توفير الانسجام التام بين العام والخاص في صوغ جميع القوانين ومنها القوانين المتعلقة بحياة الاسرة في فضائها الخاص، وبشكل اساسي العلاقات بين النساء والرجال في هذا الفضاء الذي مازال حافلا بعدد كبير من الاحكام التمييزية ضد النساء. ان تطبيق المادة الخامسة والعشرين من الدستور، والتزام سورية بعدد كبير من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وسيرورة تقدم المجتمع، كل يتطلب القيام بعدد كبير من الاجراءات التي تستند الى مبدأ المساواة ونبذ كل ما يستند الى التمييز.
الاستناد في صوغ الأحكام المتعلقة بالزواج إلى مبدأ الشراكة وتقاسم المسؤوليات في العلاقات بين الزوج والزوجة، بما يرسخ التزام كل منهما بالآخر وفق مبدأ الخيار الحر، ويرسي قواعد التكافل والتضامن بينهما في الانفاق وفي ادارة شؤون الأسرة بكل عواملها ومكوناتها واحتساب عمل النساء داخل المنزل مساهمة في الانفاق مما يلغي فكرة اعالتهن من قبل الزوج من أذهان النساء والمجتمع.
تحديد سن واحدة لزواج الفتى والفتاة لايقل عن 18 عاما، ووضع قيود وضوابط مشددة على زواج الصغار،واتخاذ اجراءات رادعة لضمان تنفيذها.
اقرار مبدأ الولاية والوصاية المشتركة على الأطفال أثناء الزواج وعند انتهائه، واعتماد مصلحة الطفل الفضلى في أحكام الحضانة، وكل ما يتعلق بتوفير وسائل الأمان والاستقرار والنمو السليم له.;:
إلغاء الطلاق التعسفي، واقرار مبدأ المساواة في حقوق طلب الطلاق وصيانة حقوق الطرفين المادية، بما في ذلك تقاسم الأملاك في حال حدوثه، سواء عملت المرأة، خلال الزواج، خارج المنزل أو لم تعمل، باعتبار العمل المنزلي ورعاية الأسرة عملا ذا قيمة مادية يشكل مساهمة رئيسة في أملاك الأسرة التي تتحصل أثناء الزواج.
تطبيق مبدأ المساواة في الارث، كما في الأملاك الاميرية، واتخاذ الاجراءات الكفيلة بتمكين النساء من الحصول على حصصهن الإرثية، وإلغاء التسهيلات الحالية التي تسمى” التخارج” لصالح الأخوة، غالبا، والتي كثيرا ما تقوم به النساء مرغمات، محرجات أمام الضغوط الاجتماعية.
إلغاء تعدد الزوجات واتخاذ الاجراءات الكفيلة بإزالة الأسباب التي تجبر النساء على القبول به، وذلك بتوفير سبل الحماية والعيش الكريم لهن.
يقتضي تغيير القوانين القائمة على التمييز ضد النساء إحداث تغيير نوعي في الذهنية المجتمعية، ويشمل ذلك النساء والرجال على حد سواء، فرغم تاثير القوانين واتجاهاتها في صوغ العقل الجمعي وفي عملية التغيير إلا أن البحث في أثر العادات والتقاليد يظهر قوتها ودورها في إضعاف قوة القانون في كثير من المجالات لذلك لا بد من ان تترافق عملية التغيير بعدد مما ينبغي فعله:
وضع سياسات واضحة لا لبس فيها لنشر ثقافة المساواة بجميع السبل الممكنة كوسائط الاعلام والمناهج التربوية والمنظمات الشعبية والنقابات والأحزاب والحركات السياسية، ووضع الآليات الفعالة لتنفيذ اتجاهات عدد من الخطط والاستراتيجيات الحكومية التي تضمنت استراتيجية تغيير القوانين واشارت الى ضرورة تغيير التشريعات ذات الصلة والى قوانين الأحوال الشخصية.
تعد قوى المجتمع المدني وقوى التنوير والنهضة روافع التغيير الأساسية، فلا بد، اذن، من توفير اقصى مستلزمات تفعيلها، واطلاق حريتها في العمل والنشاط، ومأسستها، وتحفيزها، والتعاون معها في هذا السبيل، ولا بد من الاشارة هنا، الى أهمية دور المنظمات النسوية الديمقراطية في دفع عجلة التغيير المنشود، فيما لو توفرت لها عوامل القوة والانتشار والحماية.
اعتماد آليات قانونية ومؤسسية لمكافحة كل أشكال التمييز القانوني ضد النساء، وحماية النساء من مرتكبيه سواء كان جهة رسمية أو غير ذلك، وإيجاد آليات فعالة تمكّن النساء من مقاضاة مرتكبي التمييز، ودفعهن إلى ممارسة حقهن في ذلك.
لقراءة البحث كاملاً: