فوجئت نساء سورية بخبر مفاده أن السيد رئيس مجلس الشعب” أشار إلى المرسوم /330/ المتضمن تصديق اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة “السيداو” لافتا إلى أن تحفظات سورية قد وردت في الاتفاقية، وعندما صدر المرسوم تضمن هذه التحفظات، وان مجلس الشعب يؤكد بالإجماع عليها كما وردت ضمن المرسوم ” هكذا ورد الخبر بالنص في صحيفة الثورة يوم الاربعاء22/تشرين الأول 2008 وذلك في صفحتها الأولى تحت عنوان “مجلس الشعب يناقش خطة الشؤون الاجتماعية” وحين توجهنا بالاستفسار حول الموضوع، الذي كان من الصعب تصديقه، فوجئنا مرة أخرى بان أعضاء مجلس الشعب ممن حضروا الجلسة أكدوا أن الأمر جرى على النحو الذي ذكر في الصحيفة، أي أن السيد رئيس مجلس الشعب قد اكتفى “بالإشارة” إلى موضوع رفع التحفظات عن “سيداو” تماما كما ورد في الصحيفة، وان الإجماع الذي ذكره هو إجماع بينه وبين نفسه، وانه لم يطرح المسالة للنقاش ناهيك عن طرحها على التصويت. وكما ورد في الصحيفة انتقل رئيس المجلس مباشرة إلى مناقشة خطة عمل وزارة الشؤون وأعطى الكلام للسيدة الوزيرة لطرح خطة وزارتها ثم عاد وطلب إلى الأعضاء مناقشة خطة الوزارة حصرا، والتزم هؤلاء بالتوجيهات فانصبت مداخلاتهم على مناقشة خطة الوزارة دون أن يتذكر أي منهم ما جرى قبل ذلك، بل أن المضحك المبكي في الأمر أن حديث الوزيرة تضمن إشارة إلى برنامج تمكين المرأة دون أن” ينتبه” أعضاء مجلس الشعب، نساء ورجالا، إلى أن تسوية أوضاع المرأة القانونية جزء لا يتجزأ من مسألة التمكين هذه.
هكذا مرر السيد رئيس مجلس الشعب قرارا “بالإجماع” يقضي بالإبقاء على تحفظات سورية على سيداو كما وردت في مرسوم التصديق عليها عام2002.
بمثل هذا الاستخفاف جرى التعامل مع قضية على درجة عالية من الأهمية تتعلق بحقوق المواطنة لنصف الشعب السوري قضية انشغلت بها الحركة النسائية في سورية على مدى ست من السنين كما انشغلت بها مؤسسات حكومية، وعقدت في سبيلها عشرات من ورش العمل ودار حولها نقاش رسمي ومجتمعي ساخن، واستهلكت الكثير من الحبر والورق لتذهب كل هذه الجهود هباء منثورا وتظل “حبرا على ورق”.
يحار المرء بم يبدأ مقاله، هل بمناقشة مستوى أداء مجلس الشعب وفيه قول كثير، أم بالتساؤل حول جدوى وصول النساء إلى مواقع صنع القرار ومنها مجلس الشعب، أم بآلية العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وهل هما وجهان لعملة واحدة.
يبدو أن من الأفضل البدء من الأخير فمن الواضح أن الحكومة استغلت مجلس الشعب للتهرب من التزاماتها التي قدمتها أمام لجنة سيداو في الأمم المتحدة يوم مناقشة تقرير سورية أمام اللجنة المذكورة والتي وعدت فيها برفع التحفظات عن عدد من المواد والبنود التي سبق وجرى التحفظ عليها في المرسوم /330/ المشار إليه سابقا.
وأصل الحكاية أن سورية كانت قد صادقت على الانضمام إلى اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو” بالمرسوم 330 بتاريخ 25/9/2003 مع التحفظ على المادة الثانية منها المتصلة بالمساواة التامة في الدستور والقوانين كافة وفي السياسات العامة، والتحفظ على الفقرة الثانية من المادة التاسعة المتعلقة بالمساواة بين المرأة والرجل في منح الجنسية لأفراد العائلة، وعلى البند الرابع من المادة الخامسة عشرة المتعلقة بحرية التنقل، إضافة إلى الفقرات /ج-د-ز-و/ من البند الأول من المادة السادسة عشرة المتعلقة بالمساواة بين الزوج والزوجة في الحقوق والواجبات أثناء الزواج، وتحفظت أيضا على البند الثاني من المادة السادسة عشرة المتعلقة بأثر خطوبة الطفل.
وقد وجدت الحركة النسائية السورية، بما فيها الاتحاد العام النسائي، وكذلك عدد من المؤسسات الحكومية المعنية أن هذه التحفظات أضعفت كثيرا محتوى المصادقة على الاتفاقية، فشددت حملاتها لإقناع الحكومة برفع هذه التحفظات، لأنها من وجهة نظر هؤلاء جميعا تتناقض مع الدستور الذي ينص على أن جميع المواطنين متساوون أمام القانون ومع المادة 45 منه التي تكفل للمرأة الحق في المساواة، ضمنا وليس بالنص، وتتناقض أيضا مع استراتيجيات المرأة السورية كما وردت في خطط الحكومة نفسها إضافة إلى أن هذه التحفظات لا تنسجم إطلاقا مع الواقع الفعلي لدور المرأة السورية ومشاركتها الفاعلة في مجمل قضايا الوطن، وكان أن عقدت الاجتماعات التي شارك فيها قانونيون ومسؤولون حكوميون من الجنسين إضافة إلى عدد من علماء الدين الذين اتفقوا جميعا على أن رفع التحفظات عن عدد من مواد وبنود سيداو أمر ضروري ولا تعارض بينه وبين أحكام الشريعة وفقهها. وهكذا وافقت الحكومة على إلغاء تحفظاتها على المواد 2، 15 (4)، 16، (1) خ و16(2).
وحين قدمت الحكومة السورية تقريرها الأولي أمام لجنة “سيداو” المخولة من الأمم المتحدة خلال جلستيها787 و788 المعقودتين في 24 أيار2007 أخبر الوفد الحكومي اللجنة قرار الحكومة السورية بإلغاء التحفظات المذكورة آنفا، الأمر الذي لقي ترحيبا حارا من قبل عضوات، وأعضاء اللجنة، ورغم أن ما تسعى إليه نساء سورية هو المساواة بلا تحفظ، إلا أنهن رحبن أيضا بقرار الحكومة ذاك، ووجدن فيه خطوة ايجابية باتجاه رفع التحفظات عن جميع بنود الاتفاقية.
هكذا وجدت الحكومة نفسها أمام التزامين أحدهما أمام الأمم المتحدة وثانيهما أمام النساء السوريات، ولعل هذا الأخير هو الأضعف الذي لا يحسب له أي حساب، على جري العادة، ولكن الأول يمكن أن يحرجها أمام الرأي العام فوجدت الحل في مجلس الشعب الغائب المغيّب والمطيع أبدا ليتحمل هو، بكامل هيئاته الاعتبارية، وكامل أعضائه، من النساء والرجال، مسؤولية تاريخية بهذا الحجم، وتخرج الحكومة منها كالشعرة من العجين، وينصب اللوم والغضب على مجلس الشعب الصامد أبدا في وجه كل أنواع الصدمات، فهل يصمد الآن وهل يرضى أعضاؤه من النساء والرجال، وعدد منهم شخصيات هامة ومحترمة ذات نشاط مجتمعي ومطلبي وسياسي يعوّل عليه بأن”يصمد” هذه المرة أيضا؟ إن لفظ الإجماع بحد ذاته إهانة كبرى لمجلسنا التشريعي حتى لو كان المشروع المطروح (ونسميه هكذا مجازا إذ انه ليس مشروعا، وليس مطروحا، كما تشير المعطيات لدينا حتى هذه اللحظة) نقول أن في اللفظ وحده إهانة كبرى لهيبة المجلس مهما كانت أهمية المشروع المطروح، أو عدمها، فكيف يكون الأمر إذا تعلق بالمصلحة العليا لنصف المجتمع بل للمجتمع كله. إن حقوق المرأة يا سادة ويا سيدات ليست مّنة تعطونها لها بل هي حق واجب في حجبه ظلم وعنت كبيران ضد المرأة، وضد الأسرة التي تدبج الاستراتيجيات لحمايتها، وضد الوطن الذي يجب أن يتسع لمواطنيه، من الجنسين، على درجة واحدة من الحقوق والمسؤوليات.
نوال اليازجي
(كلنا شركاء) 26/10/2008