تمييز ابن تمييز!
ليست المرأة نصف المجتمع البشري فقط، بل هي أم ومنشئة نصفه الثاني أيضاً، وقد أشاد أعقل البشر بفضل المرأة وسموِّ مكانتها، فسلطان العارفين الشيخ محي الدين بن عربي يرى أن: «كل ما لا يؤنث لايُعَوَّل عليه». لقد ارتبطت تاء التأنيث بكل ما هو جوهري في الحياة؛ بدءاً بالوطن الأم، مروراً بالطبيعة الأم، وانتهاء باللغة الأم، فنبينا بشر بالجنة تحت أقدام الأمهات، ونابليون رأى أنها إذ تهز المهد بيمينها تهز العالم بيسارها، وابراهام لنكولن أقر: «كل ما أنا، كل ما أريد أن أكون مدين به لأمي»، أما خليل مطران فقد كثَّف كل ذلك بقوله: «إن لم تكن الأم فلا أمة، فإنما بالأمهات الأمم».
رغم كل هذا لا تزال حقوق الأمهات بالنسبة لبعض الناس موضع أخذ ورد. فتحت سطح المجتمع السوري يجري صراع عنيف صامت حول اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة سيداو التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، ودخلت حيّز التنفيذ عام 1981 وناهز عدد الدول الموقعة عليها نحو 190دولة. صحيح أن سورية وقعت على الاتفاقية لكنها تحفظت على عدة مواد فيها أهمها حرية التنقل وحق المرأة في منح الجنسية لأبنائها CEDAW
القوى المحافظة تطالب بالتمسك بهذه التحفظات وترى أن إلغاءها «ينسف الأسرة». لأن «ولاء الطفل يكون عادةً لوطن الأب»! وخاصة أن الدول الغربية، «لا تهتم بنسب أبنائها، في حين النسب لدينا له شأنه عظيم!».
أما قوى المجتمع المدني فتطالب بإلغاء هذه التحفظات، أسوة بتونس والجزائر، لأنها تتناقض مع الدستور السوري الذي ينص في البند الثالث من المادة 25 على: «المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات».
المحافظون يبررون موقفهم بالحرص على الوطن! ويمعن أحدهم في التذاكي إذ يقول: «من يضمن لنا أن ابن السورية ذا الأب غير السوري سيعتبر سورية وطنه لكي تمنحه سورية ثقتها؟» إن هذا السؤال يكشف مدى هشاشة وجهة نظر صاحبه. إذ لا أحد يستطيع أن يضمن أحداً! والدليل على ذلك أن بعض «السوريين» أباً عن جد الذين كبروا على خيرات سورية، باعوها بثلاثين من الفضة في ليلة ليس فيها ضوء!
دعونا نعترف أن قضية الولاء الوطني واختلاط النسب، ما هي، رغم هشاشتها، سوى حجة بالنسبة للسادة المحافظين القدماء، فهؤلاء لا يمانعون في منح الجنسية لابن المواطن السوري من أم غير سورية! وهذا يدل على أن التمييز ضد ابن المرأة السورية هو امتداد للتمييز ضد المرأة السورية نفسها.
19/5/2010