دخلت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة «سيداو» مرحلة جديدة، بعد أن رفع المغرب تحفظاته، جميعها، عنها. وأتت هذه الخطوة بالتزامن مع رفع الجزائر التحفظ عن البند الثاني من المادة التاسعة، ورفع الأردن التحفظ عن البند الرابع من المادة الخامسة عشرة.
وكانت اليمن وجيبوتي وجزر القمر هي فقط الدول التي وقعت الاتفاقية، من دون أن تبدي أي تحفظ عنها، بينما تراوحت تحفظات الدول الباقية بين تحفظ عام وتحفظات طاولت العديد من المواد المهمة، لاسيما المادة الثانية التي تمثل «روح الاتفاقية وعمودها الفقري».
وكأن إجماعاً عربياً شبه تام تحقق «ضد حقوق النساء في البلدان العربية»، وبخاصة في ما يتعلق بحقوق المواطنة الكاملة في الأسرة، حيث تحفظت جميع الدول المتحفظة عن الفقرة الثانية من المادة التاسعة التي تمنح المرأة حق نقل جنسيتها لأفراد عائلتها، وكذلك على فقرات عديدة من المادة السادسة عشرة التي تمنح كلا الزوجين حقوقاً متساوية عند الزواج وأثناءه وعند فسخه، وفي ما يتعلق بالولاية والوصاية والقوامة.
وتبرر الدول العربية تحفظاتها تلك بـ «التناقض مع الشريعة الإسلامية»، مع أن دراسات فقهية عديدة أشارت إلى أنه لا تناقض بين مواد الاتفاقية وأغلب أحكام هذه الشريعة، إضافة إلى جواز النظر بالقلة القليلة التي يظهر فيها التناقض.
أما المغرب فقد لاقى الذكرى الستين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بخطاب جديد ورائد، إذ وجه الملك محمد السادس رسالة ملكية يعلن فيها رفع التحفظات، جميعها، عن اتفاقية «سيداو»، مؤكداً «التزام المغرب بالقيم والمبادئ النبيلة التي كرسها الإعلان العالمي» واصفاً إياه بـ «الوثيقة التاريخية»، إذ شكلت مصدراً لمواثيق دولية وإقليمية، جعلت من حقوق الإنسان إرثاً مشتركاً للبشرية جمعاء، من أجل بناء عالم يسوده الإخاء والسلم والعدل والكرامة والمساواة.
وفي الوقت ذاته أعلنت الجزائر رفع التحفظ عن البند الثاني من المادة التاسعة الخاصة بالحق في منح الجنسية، نتيجة لتعديل قانون الجنسية الجزائري بما مكّن المرأة الجزائرية من حقّ منح جنسيتها لأفراد عائلتها، كما رفع الأردن أخيرا التحفظ عن البند الرابع من المادة الخامسة عشرة المتعلّقة بحرية التنقل والسكن.
ويعتبر رفع التحفظات هذه في البلاد الثلاثة، التي تنص دساتيرها على أن «الإسلام دين الدولة»، خطوة كبيرة في مسيرة التحرك قدماً في مسيرة مساواة المرأة بالرجل في مجالات الحياة كافة.
وظهر جلياً أن الإرادة السياسية قادرة إلى حد كبير على اتخاذ القرارات المصيرية التي لا تخص النساء وقضاياهن فقط بل تخص المجتمع والنهوض به عامة. فهذه البلدان التي رفعت التحفظات، بعضها أو كلها، وبقرار من قيادتها السياسية، كانت أجرت عدداً مهماً من الإصلاحات وفي شكل يتناسب مع رفع هذه التحفظات وإن كان سبقها. فالمغرب عدل مدونة الأحوال الشخصية وأقر قانوناً للأسرة يعتمد مبدأ المساواة في أغلب مواده، وعدل قانون الجنسية بما يمكن المرأة المغربية من منح جنسيتها لأبنائها. والجزائر عدلت في مدونة الأسرة لديها وحققت المساواة التامة بين الرجال والنســـاء في قانون الجنسية. والأردن أصدر عدداً من التعديلات القانونية على شكل قوانين مؤقتة للهروب من رفض البرلمان الأردني لمشاريع القوانين هذه. حتى أن حكومة مصر، ولو أنها لم ترفع ولا تحفظ بعد، عدلت في قانون الجنسية وأقرت قانوناً للطفل ضاربة بعرض الحائط تهديدات القوى الأصولية. خلاصة القول، إن ما تمثله تحفظات الدول العربية عن اتفاقية «سيداو» ليس إلا هروباً للوراء ومساومة غير مبررة على حقوق النساء، وإن كانت هذه التحفظات تشابهت في الشكل والمضمون إلا أنه يظهر، أن الميل نحو المساواة ليس حالة «معدية» بقدر عدوى الميل نحو التحفظ!
سوسن زكزك
الحياة، 12/03/09/