انضمت معظم الدول العربية إلى اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو). وعلى الرغم من أن انضمام أغلب هذه الدول ترافق مع أكبر عدد من التحفظات على مواد الاتفاقية إلا أن حراكاً إيجابياً طال هذه التحفظات في الفترة الأخيرة في المغرب والجزائر والأردن، فماذا عن سورية؟
كانت فقط اليمن وجيبوتي وجزر القمر هي الدول التي لم تُبْدِ أي تحفظ على الاتفاقية، بينما تراوحت تحفظات الدول الباقية بين تحفظ عام (السعودية) وتحفظات طالت العديد من المواد الهامة، ومن بينها المادة الثانية التي تمثل روح الاتفاقية وعمودها الفقري. ولم يتحقق، للأسف، الإجماع العربي إلا ضد حقوق النساء في البلدان العربية، وبخاصة فيما يتعلق بحقوق المواطنة الكاملة في الأسرة، إذ تحفظت معظم الدول المنضمة إلى الاتفاقية على الفقرة الثانية من المادة التاسعة التي تمنح المرأة حق نقل جنسيتها لأفراد عائلتها، وكذلك على فقرات عديدة من المادة السادسة عشرة التي تمنح كلا الزوجين حقوقاً متساوية عند الزواج وأثناءه وعند فسخه. وفيما يتعلق بالولاية والوصاية والقوامة.. وبررت الدول العربية تحفظاتها تلك بتناقضها مع الشريعة الإسلامية. مع أن دراسات فقهية عديدة أشارت إلى أنه لا تناقض بين مواد الاتفاقية وأغلب أحكام هذه الشريعة، إضافة إلى جواز النظر بالقلة القليلة التي يظهر فيها التناقض.
وكانت سورية من الدول التي تأخرت في الانضمام إلى (سيداو)، إذ انضمت إليها بموجب المرسوم الجمهوري رقم -330- بتاريخ 25/9/2002 بعد 23 سنة من إقرار الاتفاقية، ولكنها تحفظت على المادة 2 بكاملها، وهي التي تمثل روح الاتفاقية (خمس دول عربية فقط تحفظت على هذه المادة)، وعلى المادة 9 الفقرة الثانية المتعلقة بمنح المرأة نفس حقوق الرجل في منح الجنسية لأفراد عائلتها، وعلى المادة 15 الفقرة الرابعة المتعلقة بحرية التنقل والسكن، وعلى المادة 16 البند الأول الفقرات (ج-د-و-ز) المتعلقة بالمساواة في الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه. والبند الثاني المتصل بالأثر القانوني لخطوبة الطفل أو زواجه. وبررت هذه التحفظات بتعارضها مع أحكام الشريعة الإسلامية. وكانت سورية بهذه التحفظات من الدول العربية الأكثر تحفظاً. ولم (يسبقها) في التحفظ إلا السعودية وموريتانيا اللتان وضعتا تحفظاً عاماً على الاتفاقية.
و بعد التصديق قامت الجمعيات غير الحكومية بجهود عديدة من أجل نشر الاتفاقية ورفع التحفظات عنها. وبعد تأسيس الهيئة السورية لشؤون الأسرة قامت الهيئة بعقد ورش عمل حوارية حول الاتفاقية مع أغلبية أعضاء مجلس الشعب. ونتج عن هذه الورش موافقة المشاركين من أعضاء وعضوات مجلس الشعب على رفع أغلب التحفظات السورية. وفي عام 2007 قدمت الهيئة السورية لشؤون الأسرة مشروع المرسوم الذي أعدته بشأن رفع التحفظات عن الاتفاقية ووافقت لجنة التنمية التابعة لرئاسة مجلس الوزراء على هذا المشروع. ولكن الفترة اللاحقة شهدت هجوماً شديداً على الاتفاقية وتأكيداً للإبقاء على التحفظات (تناولت هذه المسألة الزميلة نوال اليازجي في مقالة سابقة في النور).
لقد كان مأمولاً ومتوقعاً أن تكون سورية من أوائل الدول التي سترفع التحفظات عن اتفاقية (سيداو) لأسباب عديدة، من بينها ريادة المرأة السورية في حصولها على الحقوق السياسية، ومشاركتها الناشطة في الحياة العامة منذ الاستقلال، إن لم يكن قبله. وطبيعة الحكم الموجود في سورية. لكن ذلك للأسف لم يتحقق. وقد استقبل المغرب الذكرى الستين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان برسالة ملكية يعلن فيها الملك محمد السادس رفع التحفظات جميعها، عن الاتفاقية. وأعلنت الجزائر رفع التحفظ عن البند الثاني من المادة التاسعة (الخاصة بالحق في منح الجنسية) نتيجة لتعديل قانون الجنسية الجزائري بما مكن المرأة الجزائرية من حق منح جنسيتها لأفراد عائلتها. وقامت الأردن مؤخراً برفع التحفظ عن البند الرابع من المادة الخامسة عشرة (الخاصة بحرية التنقل والسكن).
إن لرفع التحفظات عن مواد الاتفاقية مدلولاً رمزياً ومدلولاً واقعياً. فالمدلول الرمزي يتجلى بتأكيد الالتزام بالرفض التام لكل شكل من أشكال التمييز ضد المرأة، انسجاماً مع مواد الدستور السوري. أما المدلول الواقعي فيتجلى بفتح المجال واسعاً أمام تعديل جميع القوانين والمواد التمييزية ضد المرأة بما ينسجم مع مواد هذه الاتفاقية. وبالتالي فإن رفع التحفظات السورية عن اتفاقية إلغاء أشكال التمييز ضد المرأة هو مطلب ملح لا يمكن تبرير التأخر بالقيام به.
وإذا كانت دساتير الأردن والجزائر والمغرب تنص على أن الإسلام دين الدولة فإنها مع ذلك رفعت هذه التحفظات، بينما ينص الدستور السوري على أن الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع وليس المصدر الرئيسي، فهل يمكن بعد الآن تبرير تحفظاتنا بتناقض مواد الاتفاقية مع الشريعة؟!
سوسن زكزك