المحتويات
· من مفكرة رابطية
من مفكرة رابطية
23 آذار
هبط الليل متفرداً وكأنه غريب ضائع، وأخذ المطر ينهمر، كنت عائدة من عمل مضن، لقد حشدت لي صاحبة البيت حشوداً كبيرة من الثياب وكأنما تعلن ما دامت تأخذ ثلاث ليرات فلتعمل جيداً.
وبدأ الرعد صرخاته المخيفة. إن الرعد في اللاذقية مرعب. ربما كان أبناء الداخل لم يعرفوه، ولكنه هنا يدوي فتشعر كأنه يطحنك. سهرت هذه الليلة. انطفأت الأضواء مرتين، ولكنني ظللت سامرة أقرأ، تولدت عندي رغبة وحيدة، وكأنما كل آمالي المخيبة قد تجمعت فيها: أن أفهم، أن أتعلم، أن أقرأ كتباً نقية تعطيني الحقيقة.
وشعرت أن هذا طموح غير ممكن التحقيق، فأنا ما أزال في الحروف الأولى. يا للدرب الطويل الشاق الذي علي خوضه، وكدت أشعر بالتخاذل، لكنني تذكرت سميراً حين ابتدأ تعلم المشي، تعثر كثيراً ثم عاد يمشي، فيتعثر، يبكي، يصرخ، يخاف السير ثم يسير… وأخيراً ربما أنه من أحسن العدائين في المدرسة. ما علي غير أن أثابر، أعيد وأعيد ثم أنطلق بعد ذلك.