المحتويات
· لنا كلمة: أكبادنا تمشي على الأرض…
· القلوب المتوحشة
· عاملاتنا..بين القطاع الخاص والقطاع العام
· صور من حياتهن
· رسالة عفرين
· دور الحضانة ورياض الأطفال…
· ما لها… وما عليها…
· إلى الفنانة منى واصف
· رسالة قد تصل من أطفال سورية إلى شعوب العالم
· عالم الغد… عالم الأطفال: شوقي بغدادي
· مزاج الطفل العصبي.. العوامل المؤثرة
· ممدوح
· كي لا يرى الأطفال الشقاء في المستقبل
· مقتطفات من الصحف الشقيقة
· الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي
· رسالة تضامن من الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي مع نساء الصحراء الغربية
· الأموات لا يكبرون: ناظم حكمت
لنا كلمة
أكبادنا تمشي على الأرض…
كل عام وأنتم بألف خير
في الأول من حزيران من كل عام يحتفل العالم بعيدهم… فلذات الأكباد. قرة عيون الأمهات… مستقبل الشعوب.. فرحة الأمل والسعادة المنشودة…
نجوع ليشبعوا… ونعرى ليكتسوا… نسهر ونكدح ونتحدى المستحيل ليناموا هانئين قريري العين والنفس… نضحي بالدماء رخيصة لينشؤوا موفوري العزة والكرامة… ولكن.. هل حقاً يهنأ الأطفال ويسعدون ويشبعون ويكتسون ويترعرعون ويكبرون… وقنابل الفسفور تحرق بسمة الأطفال… كما تقول الأغنية…
في الجولان والضفة الغربية وتشيلي يعتقل الآباء والأمهات ويشرد الأطفال في لبنان والجنوب في العراق وإيران… في نيكاراغوا وجنوب أفريقيا… في أماكن كثيرة من العالم حيث يمكن للإخطبوط الإمبريالي الأمريكي وحلفائه أن يمد مخلباً أو ذراعاً، ينتفض الصغار من نومهم مذكورين على صوت الخراب والدمار.. وينامون والخوف يملأ جوانحهم مما سيأتي به الغد والجوع يودي بحياة الملايين من أطفال أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، والمتوحشون في ثياب المدنية ومصاصو دماء الشعوب يملأون قلوبهم رعباً. ويفجعون الآباء والأمهات بأغلى وأحلى الآمال.. يسعرون سباق التسلح، ويصرفون ملايين المليارات، ليهددوا أمن وسلام الشعوب. في حين أن جزءاً يسيراً مما يصرف للدمار يكفي لإشباع البطون الجائعة، وإعادة البسمة إلى الوجوه البائسة… ولكن.. أنى لهم أن يدركوا ذلك وسلتهم مستمدة من الإرهاب، ووجودهم كله مستند إلى الاستغلال والاستثمار وجوع الأطفال… أنهم لا يعلمون.. ولا يريدون أن يدركوا… ولكننا نعلم وندرك لذلك نتصدى لهم، ولمخططاتهم الدنيئة، ونضع يدنا في أيدي حماة السلام وبناته، والمدافعين الحقيقيين عنه، أولئك الذين حولوا بلادهم إلى واحة غناء، تحتضن الطفولة وترعاها، حيث يعتبر الأطفال الطبقة المميزة الوحيدة في مجتمع لم يعد فيه للطبقات مكان… أولئك الذين يمدون يد العون لشعوبنا ولجميع شعوب الأرض المناضلة ضد البغي والعدوان، في سبيل الحرية والسلام…
فليهنأ أحباؤنا بالاً، ولتقر عيون الأمهات… فلن نسمح للعدوان بالاستمرار، وكما تكون الغلبة للخير على الشر دائماً، ستكون الغلبة للحب والسلام على الوحشية والدمار.. ومواقف شعبنا الصامدة في وجه كل أشكال التآمر الإمبريالي الصهيوني الرجعي ومخططاتهم هي مساهمة فعالة في إطار النضال من أجل بسمة الأطفال وسعادتهم.
صوت المرأة، العدد 2، 1987
القلوب المتوحشة
يحكى أن طائراً أسود جميلاً كان يصيح “القلوب المتوحشة” وهو يطير فوق الحقول والغابات.
ويعجب الأولاد ويتساءلون لماذا يردد هكذا: “القلوب المتوحشة”!
ويحكي الجد الهرم البالغ من العمر مائة عام أو أكثر والذي يعرف كل شيء، لأحفاده قصة قديمة، قدم الجبال.
يحكى أنه كان هناك رجل غني استأجر ابنة فلاح فقير لقاء قرض كان هذا الفلاح قد أخذه منه. لا أحد يعرف اسم تلك الفتاة: وإنما كانوا يصفون مظهرها قائلين: “عيناها سوداوان وضفائرها الطويلة كالأفاعي، وجهها وضاء كالقمر، ويداها ناعمتان وقويتان كجناحي بطة متوحشة”.
ولقد أصبحت هذه الفتاة ذات الاثني عشر ربيعاً خادمة في بيت الغني. ما كانت تعرف الراحة منذ بزوغ الفجر حتى آخر الليل، تمد الفرش، وتعد الموائد وتمسح الأرض وتحضر الطعام وتصنع السلال الثقيلة. وكانت تتحمل كل هذه الصعوبات بصبر. كانت تعتقد بأنه سيأتي يوم سعيد، وسيصبح لديها بيتها الخاص وأرضها وحديقتها. لقد آمنت بالمستقبل. في العمل والأمل تمر حياتها. فعندما تكون نفسها هادئة يمر العام كيوم واحد، أما عندما تكون حياتها مضطربة فاليوم يمر كسنة.
مرة دعا الغني ضيوفاً لوليمة في بيته وأمرها أن تخضر له مأدبة كبيرة. وحدث أنه عندما كانت الفتاة تحضر الطعام دخل المطبخ كلب، ولم يكن أحد هناك.
أكل الكلب الخنزير المشوي
واتهمت بذلك الفتاة المسكينة.
صاح السيد خانقاً:
– أنت التي أكلت اللحم!
أنكرت الفتاة ما اتهمت به. فحاولت زوجة الغني أن تنتزع منها اعترافاً بالقوة والقسر. حرقت وجهها بالنار وجلدتها بالسيور الجلدية، وكان للفتاة طبع صلب، فلم تذعن! وفقدت الفتاة الوعي في النهاية لشدة التعذيب. عندئذ ربطها الغني القاسي وامرأته بحبل ووضعاها في سلة كبيرة وأحكما غطاءها ثم قالا:
– حسناً ألن تعترفي. جوعي إذن سبعة أيام وسبع ليال! ثم انصرفا.
مضى يوم دون أن يعطي الغني الفتاة نقطة ماء. ثم مر يومان دون أن يعطي الفتاة لقمة ومرة اليوم الثالث فالرابع…
وفي اليوم السابع قرر الغني وزوجته أن يرميا الفتاة الميتة للكلاب الجائعة. وحين رفعا غطاء السلة في اليوم السابع طار من وسطها أثر أسود. هو طائر “القلوب المتوحشة” صاح الطائر بصوت عالٍ ومد مخالبه نحو السيد وفقأ عينيه ومن ثم طار عبر الحقول والغابات لاعناً مهذبيه وهو يصيح:
“القلوب المتوحشة”، “القلوب المتوحشة”…
وحتى الآن يتذكر الناس هذه القصة ويكنون في قلوبهم الكره للأسياد ويرددون:
“القلوب المتوحشة”! “القلوب المتوحشة”…
لقاءات..
عاملاتنا…
بين القطاع الخاص والقطاع العام
جلست أمامي… شابة جميلة رقيقة. تركتها تتحدث من تلقاء نفسها.. وكنت أوجه إليها بين الفينة والفينة بعض الأسئلة.
– أعمل في معمل للقمصان.. قطاع خاص وتعلمين كم هي كثيرة معامل القطاع الخاص هنا في دمشق… غنها تعتمد بشكل واسع على عمل النساء.
– عدد العاملات؟
– خمس… وتبدأ رحلة العمل من الصباح الباكر ويستغرق الطريق ساعة كاملة.
– المواصلات؟
– بوسائلنا الخاصة.. ننتقل من باص إلى باص ثم نسير طويلاً حتى نصل… وفي تمام الساعة التاسعة نكون على استعداد للبدء… إنها ساعة الانطلاق إلى يوم العمل الشاق.
– مكان العمل؟
– غرفة ضيقة جداً.. لا يكاد الإنسان يتنفس فيها فترة الغداء نصف ساعة. ثم نستأنف العمل حتى الساعة الخامسة وتبدأ رحلة العودة ساعة كاملة أيضاً.
– وماذا عن العمل؟
– تشديد وتيرة العمل… هذا هو شعار رب العمل… مرة جاءني تليفون ضروري رفض أن يبلغني بذلك لأنني قد أنقطع عن العمل دقيقة.
– وكثيراً ما يحتال علينا… بالتخجيل… نبقى بعد الدوام خمس أو عشر دقائق. هل تدركين أننا لو قمنا بعملية حسابية بسيطة… هذه الدقائق الخمس على مدى العام تكسب رب العمل أكثر من عشرين يوم عمل مجاناً وعلى حساب العاملات..
– والراتب؟
– الحد الأعلى 1300 ل.س. والحد الأدنى 500 ل.س
– ألم تزد الرواتب مع زيادتها في الدولة؟
– لا…
– هل هناك حوافز؟
– نحن محرومات من الحوافز… فقد ننتج اليوم نسبة من الإنتاج فإذا صدف وأنتجنا في اليوم التالي أكثر نتعرض للوم إذ بإمكاننا أن ننتج أكثر فنحن مقصرات.
– وماذا عن التأمينات الاجتماعية؟
– نحن مسجلات فيها ولكن بعضنا لا يطبق عليه ذلك.
– هل يقوم رب العمل بتسريح العاملات؟
– عندنا يوجد تسريح تعسفي ودون تعويض من رب العمل.
– قلت هذا لا تعرفه قوانين العمل عندنا.
– إنه يدبر نفسه فهو يستطيع دوماً أن يتهرب من المسؤولية.
– والعطل.
– لا نعطل إلا في عيد الفطر وعيد الأضحى وهناك عطلة سنوية مدتها 15 يوماً ولكنها غير مدفوعة الأجر حتى أيام الجمع غير مدفوعة الأجر.
– والإجازة المرضية؟
– حسب مزاج رب العمل…
– هل يكفيك الراتب؟
– أنا عاملة متميزة وراتبي يقترب من الحد الأعلى وليس عندي مسؤوليات ولكن عندنا عاملات مسؤولات عن أسرهن والراتب قليل والغلاء لا يتوقف عند حد.
– تركت هذه العاملة الشابة وانطلقت لأقابل عاملة أخرى… هذه المرة من القطاع العام تاميكو. مؤسسة من القطاع العام لصنع الأدوية، الإنتاج جيد نسبياً والنوعية جيدة.
في هذه الشركة تجمع عمالي كبير ونسبة العاملات كبير جداً هناك 900 عامل وعاملة. المواصلات مؤمنة بشكل جيد على حساب الشركة وهناك مؤسسة استهلاكية تؤمن إلى حد كبير ما يحتاجه العمال من المواد التموينية والخضار.
في هذه المؤسسة أخذ العمال عدداً من المكاسب ولكن العاملة الشابة بدأت كلامها قائلة:
– نصنع أدوية تشفي الناس ونصاب نحن بالمرض، إن التفاعلات الكيميائية تؤثر على الصحة وكثيرة هي الأمراض التي تسببها.. التليف الرئوي ـ السل ـ السرطان وغير ذلك. إن هناك خطورة جدية على صحة العمال.
– أليس هناك وسائل وقاية؟
– توجد ولكن غير كافية… ويمكن الاستفادة منها أكثر… وتوزيع حليب وبيض… كما توجد كمامات تخفف من الأخطار ولكنها غير كافية أيضاً قسم التنك والطحن… هناك أصوات عالية جداً تؤثر على السمع وقد تؤدي إلى الطرش بالإضافة إلى التأثيرات التي تتركها على الأعصاب وهناك أجهزة خاصة تخفف من هذه الأصوات ولكنها فقط لرؤساء الأقسام ونحن نأمل تعميها على العاملين جميعاً.
– ألا يوجد فحص طبي للعمال؟
– كل سنتين نخضع لفحص كامل… ومن يظهر لديه مرض من أمراض المهنة يجب أن ينقل إلى قسم آخر ولكن لا ينتقل إلا من كان لديه واسطة.
– هناك عاملة أصابها السل ولها 12 سنة في القسم ومع ذلك لم تنقل.
– العلاج والأدوية؟
– على حساب الشركة بشكل كامل ولا يشمل ذلك الأولاد إلا بحدود 150 ل.س سنوياً.
– ما أخبار الحضانة؟
– تاميكو… أول شركة تقام فيها حضانة لأطفال العاملات فلها في ذلك قصب السبق ولكن لا إشراف على الحضانة من الناحية الصحية وإذا مرض الطفل تعطى الأم إجازة على حسابها.
– هل توجد حوافز؟
– لقد كانت هناك حوافز جيدة وذلك بحسب نسبة الإنتاج… لذلك فقد قلت هذه الحوافز نظراً لفقدان المواد الولية وتراجع الإنتاج.
– والأجور هل أصابتها الزيادة الأخيرة؟
– نعم… غير أن المقتطعات قد زادت أيضاً، رسوم الحضانة… حسميات النقابة ـ التأمينات ـ الضرائب .. اختصرت الهدايا التي كانت توزع على العمال في كل مناسبة.
– والإجازة السنوية والعطل؟
– حسب القدم أسبوع الصيانة يعد بشكل إجباري من الإجازة السنوية.
– هل يكفيك الراتب؟
– ماذا أقول.. كان من الممكن أن يكفي ولكن الأسعار تقفز بشكل هائل لا نستطيع اللحاق بها.
تركتها واكتفيت بهذا القدر فهو غيض من فيض… غير أنني وجدت نفسي أقارن بين القطاعين فوجدت الفرق واسعاً مع ما في القطاع العام من نواقص.
صوت المرأة، العدد 2، 1987
رسالة عفرين
كتبت إلينا مراسلة صوت المرأة ـ في عفرين الرسالة التالية:
أيتها الصديقات:
أود أن ألقي من خلال صفحات مجلتنا بعض الأضواء على واقع المرأة في منطقتنا وأهم مشاكلها ومتطلباتها.
تقع منطقتنا كما هو معلوم في أقصى الحدود الشمالية للبلاد المتاخمة للحدود التركية ويبلغ عدد سكان عفرين 300000 نسمة تقريباً وهي مركز المنطقة وحولها 360 قرية يعمل أكثر سكانها بالزراعة بالإضافة إلى بعض الصناعات الخفيفة واليدوية كالسجاد والتطريز والخياطة والتريكو.
ويتباين الموقف من المرأة ما بين النظرة التقدمية والنظرة الرجعية المتأثرة ببقايا الإقطاع مما يؤثر بشكل أو بآخر على وضع المرأة الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وسأطرح في رسالتي هذه أهم الصعوبات والعوائق أمام تحرر المرأة وتطورها:
1- عدم تحرر المرأة اقتصادياً. فمازالت تحت رحمة والدها وزوجها وليس لها أي حق بالميراث إلا عن طريق القضاء كما لا يمكنها التصرف بأجرها أو راتبها إلا بعد موافقة أهلها أو زوجها إذا كانت عاملة سواء في القطاع الإنتاجي أو الزراعي الموسمي هذا إذا لم نتطرق إلى عملها الدائب في الزراعة ضمن أفراد الأسرة دون أن تتلقى أجراً على ذلك ومعلوم أن قوة العمل الزراعية الأساسية في الأسرة هي قوى عمل النساء.
2- القيود الاجتماعية والعادات والتقاليد البالية التي ترزح المرأة تحت ثقلها. بدءاً من قانون الأحوال الشخصية الذي يبيح تعدد الزوجات، فرغم القيود المدنية الموضوعة إلا أن الظاهرة موجودة وترتبط بالوضع المادي للرجل، إلى الطلاق وحرمان الأم من حضانة أطفالها وغير ذلك من القيود المجحفة بحق المرأة. وبسبب ارتفاع تكاليف الزواج (في الوقت الذي قل فيه المهر نسبياً تزداد تكاليف التجهيز للبيت الجديد). تزداد نسبة الزواج بالتبادل والتي يعلم الجميع خطرها على الأسرتين الجديدتين كما تزداد حوادث الخطف التي يكون نتيجتها قتل الفتاة حتماً أو النزوح عن المنطقة إلى الأبد. كما يلعب تزويج القاصرات لقاء مهر مناسب أو للخلاص من فم زائد في الأسرة دوراً كبيراً في خلق مشكلات جديدة لهؤلاء تنتهي في كثير من الأحيان بالخلاف والطلاق أو بالقتل (غسلاً للعار) والجدير بالذكر أن هذه الظواهر تزداد يوماً بعد يوم نتيجة ارتفاع تكاليف الحياة وعدم زواج البنت بحسب رغبتها.
3- أما من حيث الخدمات فقد جرى تطور ملموس في مجال توسيع شبكة الكهرباء وشق الطرق وإيصال مياه الشرب إلى كثير من القرى كما خفف الفرن الآلي عبء الخبز عن كاهل المرأة ورغم ذلك تبقى نواقص جدية. نتناول بشكل خاص المسألة الصحية فرغم وجود سبعة مستوصفات إلا أن عدم وجود مشفى واحد ودار للتوليد يعرض حياة كثير من الأمهات وأطفالهن للخطر في حال تعسر الولادة وغير ذلك.
كما أن فرص العمل المنتج المتاحة للمرأة ضئيلة إلى أبعد الحدود ويشكل انعدام دور الحضانة ورياض الأطفال مشكلة جدية أمام عمل المرأة وتطورها كما يشكل وضعاً غير سليم للأطفال حيث تضطر الأم منذ ولادة طفلها حتى يبلغ سن المدرسة إلى اصطحابه إلى الحقل أو المعمل مع ما في ذلك من خطر على صحته وحياته بالإضافة إلى الصعوبة القصوى في تأمين غذاء الأطفال ضمن الصعوبات الجدية في تأمين المواد الاستهلاكية المختلفة وبخاصة الغذائية والدواء وارتفاع الأسعار وغير ذلك من المشكلات العامة المعروفة والتي لا تنحصر بمنطقتنا.
صوت المرأة، العدد 2، 1987
صور من حياتهن
بأقلام فتية
تكتب إلينا شابات ممتلئات حماساً وثورة على كل ما هو بال وعتيق، مما يعتبره معرقلاً أساسياً لتطور قريناتهن الرازحات تحت وطأته… وطبيعي أنهن يكتبن ما تمليه عليهن أحاسيسهن، يعبرن عنه بعفوية وصدق… إنهن لا يقدمن دراسة وتحليلاً، معمقتين لأي من المشكلات المطروحة، بل يصورن لقطات من الحياة وعلينا نحن أن نحلل وندرس ونضع البديل.
العم أبو كاسم
في حي شعبي يسكن العم أبو كاسم هو وأسرته المكونة من أولاده وعائلات أولاده زوجات وأحفاداً.
إذا ما دخلت هذا المنزل حسبته للوهلة الأولى ثكنة عسكرية أو حضانة أطفال. البيت مؤلف من خمس غرف له ساحة متوسطة وهو يخص كل ولد من أولاده بغرفة واحدة له ولعائلته التي لا يقل عدد أولادها عن ثلاثة أطفال… وطالما الجد أبو كاسم في المنزل فالأطفال الصغار في غرف آبائهم لا يلعبون ولا يخرجون إلى ساحة الدار فالجد نائم والجد تعبان… إلخ… فالمفروض أن لا أحد يزعجه… أما أولاده فيسمعون كلامه دائماً ماذا تأكل يا بابا هذا اليوم، أين نذهب يا بابا كل شيء برأيه وبأمره.
أما زوجات أبنائه (كناينه) فهن أسيرات المنزل لا يخرجن منه إلا في المناسبات دائماً في المطبخ يخدمن العم والزوج والأطفال ولا يتذمرن راضيات بوضعهن وإن حدث وتذمرت إحداهن كان السباب والشتم من نصيبها وأحياناً الضرب من هذا العم، حتى إذا أرادت واحدة منهن شراء فستان أو حذاء يؤخذ قياسها من قبل الزوج ويشترى لها دون أن تنزل السوق معه.
وإذا صارت وحدثت مناسبة فرح تستعد كل واحدة منهن فإذا انتهين تجمعن ومشى بهن العم كالمعز ملتحفات بالسواد من رأسهن حتى أخمص أقدامهن فيوصلهن إلى بيت الفرح وهكذا ينتظرهن أمام الباب عند العودة.
يا أخواتي ولى عهد السيطرة الهمجية فاستيقظن يا أخواتي من سباتكن ولتأخذ كل واحدة منكن دورها في بناء المجتمع.. فأنتن نصف المجمع فبوجودكن وعملكن تبعثن الروح والقوة في المجتمع وتزدنه حيوية ونضارة ولقد أثبتت النساء أن لهن إمكانيات عظيمة، فالنساء في البلدان الاشتراكية وصلن إلى القمر وأصبحت منهن مهندسات ومخترعات… فانفضن عن عيونكن وأذهانكن غبار الزمن والحقن بأترابكن من النساء فالخير فيكن وبعطائكن.
جارتي أم ماهر تحسبها في الأربعين وهي لم تبلغ الثلاثين بعد أم لخمسة أطفال والسادس على الطريق، صوتها يشق عنان السماء تظنها خلقت للصراخ والشجار… قلت لنفسي سأزورها وأرى ما بها… تركت أبا بسام يأخذ طفلي بساماً في نزهة قصيرة ليتدرب على المشي لأنه بدا خطواته القليلة ـ ما أجملها من خطوات ـ ذهبت إلى جارتي فرحبت بي وبشت وهشت وكيف الصحة وكيف الحال وما الأخبار، قالت كلامها هذا رشاً…
أجبتها الحمد لله، وأنت يا جارة ما أخبارك.
قالت: خليها لله، فالحالة تعبانة وبدأت تتكلم عن وضعها وعن ظروفها بأنها تعمل طول النهار في المطبخ، تطبخ وتغسل حتى المساء، فهي لا ترتاح إلا عندما تنام. وهؤلاء الأطفال الخمسة يتحركون في المنزل جيئة وذهاباً لا يكلون ولا يملون…
الحق معها لقد كان الأطفال حولي يلعبون وينهرون بعضهم بعضاً، واحد يصعد على الخزانة ليهرب من أخيه الذي لحقه لأنه أخذ لعبه، والآخر ينط على السرير ليهتز به فيستيقظ النائم على صراخ إخوته وهو يبكي وهكذا…
أما أبو ماهر فإنه يخرج من الصباح ولا يعود إلا في المساء تعباً منهكاً يأكل لقمة وينام، وهكذا على أم ماهر أن تعنى بالأولاد وبحاجيات المنزل من عمل وشراء لوازم..
صدقيني يا جارة إني لا أحب الصيف قالت وهي تتنهد…
في الصيف يجلس الأطفال في البيت من الصباح وحتى المساء على لعب وشجار… أما في الشتاء فأرتاح نصف النهار من ضجيجهم وطلباتهم.
لو كان هناك فائض لكنت سجلتهم بالنوادي الصيفية لكن خمسة أطفال لا أستطيع فالأب بصعوبة يؤمن لهم الطعام والشراب… حتى حديقة قريبة للأطفال يلعبون بها لا يوجد في حينا فإذا خرج أولادي إلى الشارع تشاجروا مع أبناء الجيران أو صدمتهم سيارة أو شج رأس واحد منهم وهكذا فالأفضل أن يجلسوا في البيت وطول النهار على اسكت أنت واهدأ أنت… إلخ.
قلت لها: وهذا لا يردعك من إنجاب أولاد آخرين.
قالت: آخر ولد…
إن أم ماهر وملايين مثلها يهبن بنا أن نعمل ونناضل لكي نؤمن كل ما يحتاجه أطفال وطننا من حدائق ونوادي صيفية لكل حي فيه الألعاب المسلية لأطفالنا الأحباء والعمل على إسعادهم وتربيتهم لينشأ جيل قوي جيل المستقبل الذي سيناضل ويناضل من أجل رفاهية الجميع وسعادة الجميع…
صوت المرأة، العدد 2، 1987
إلى الفنانة منى واصف
تألقت في حديثك حول المرأة التي تودين إبرازها من خلال أدوار تمثلينها، وقد راقبتك بشغف وأنت تتحدثين عن معنى عظمة النساء أو النساء العظيمات، حيث أفضت بالحديث عن عظمة نساء الجنوب. وكنت معك في استحالة التعبير بالكلمات عن العظمة الحقيقية الكامنة في بسالتهن. والتي حاولت التعبير عنها بشموخ رأسك، وحدة نظراتك، وحركات يديك، كأنك تقولين أعجز عن إيجاد الكلمات… إني أعجز..
أود أن أحييك وأتفق معك. على أنه ما من حيف لحق بقضية في التاريخ أكثر مما لحق بقضية المرأة، إنها القضية الأكثر تعرضاً للإجحاف… بين جميع القضايا الإنسانية المطروحة. والتي يقوم الفن… الفن الحقيقي بالتعبير عنها بصدق، طالما ارتبط بقضايا الشعب ومعاناة جماهيره
تجدين في ثنايا التاريخ العربي والإنساني الكثير من الأمثلة التي يمكن أن ترضي طموحك لتمثيل المرأة الإنسانة، المرأة العظيمة الفعالة في قضايا أمتها وشعبها، ولكنك ستجدينها مع الأسف، وبسبب المجتمعات الطبقية، ومفاهيمها المحدودة تجاه المرأة، تقوم بهذا الدور مستخدمة ليس ذكاءها الحاد، وخبرتها وعمق إحساسها بشعبها، بل هي مضطرة لاستخدام سلاحها الأنثوي لإثبات وجودها وجدارتها. بحاجة دائماً إلى ضلع رجل تحتمي به. تذكرين قصة شجرة الدر الذي قامت زميلتك نضال الأشقر بتخليدها عبر الشاشة الصغيرة، وكيف لم يشفع لها ذكاؤها ولا قدراتها اللامحدودة في الحكم وإدارة شؤون البلاد… بل وبحكم النظام الطبقي السائد ومفاهيمه التي ترفض ترؤس المرأة…
تعرفين كيف بدت شجرة الدر من خلال العمل الفني. امرأة متعطشة للسلطة وربما تعتبرها سلماً لتحقيق أغراض خفية، أو (حلحلة عقد) كما يروق لأنصار فرويد أن يعبروا.
من المفيد أن تبحثي في ثنايا التاريخ، وتقدمي الأمثلة الساطعة على عظمة المرأة وقدراتها الحقيقية، وأرجو أن يقيض لك من يساعدك في إبراز الدور الفعال للمرأة عبر التاريخ رغم ما تعرضت له من اضطهاد، وظلم وإجحاف.
وكذلك قلتها بنفسك… ليست هؤلاء فقط العظيمات. العظمة الحقيقة تجدينها حيثما تلفت. في المرأة المناضلة ضد الاحتلال وفي سبيل السلام، في العاملة التي تحدت العادات والتقاليد وتحملت الأعباء الجسام لتثبت جدارتها في العمل والإنتاج… في الصبية التي تفجرت بركاناً في وجه أعداء البلاد.
ليت جميع العاملين في التلفزيون وغيره من أجهزة الإعلام يتلمسون التطور النوعي الجاري في قضية المرأة ويخلصونا من النماذج النسائية المطروحة علينا في مئات الأعمال التي لا يمكن بحال ان نلصقها ظلماً وبهتاناً بالفن. والفن منها براء.
مع أطيب تمنيات صوت المرأة لك بمزيد من النجاح والتألق.
صوت المرأة، العدد 2، 1987
دور الحضانة ورياض الأطفال…
ما لها… وما عليها…
أهمية دور الحضانة ورياض الأطفال
لدور الحضانة أهمية قصوى من حيث تأثيرها على مجمل عملية التنمية والإنتاج الاجتماعي إذ تلعب دوراً بالغ الأهمية في دفع المرأة إلى العمل، وتجنيد طاقاتها في عملية البناء، وزيادة الإنتاج، ورفاه المجتمع… كما تحقق للمرأة العاملة الاستقرار النفسي.. والاطمئنان اللذين يؤثران بالتالي على الجودة في الإنتاج، ويمكناها من القيام بواجباتها تجاه الوطن على أكمل وجه..
وكما هو معلوم فالمقصود بدور الحضانة تلك المؤسسات التي تحتضن الطفل منذ شهوره الأولى حتى عامه الثالث.. أما رياض الأطفال فتستقبل الأطفال بعد السنة الثالثة حتى دخوله المدرسة… أي أن على هذه الدور أن تحل محل الأم ذاتها في رعاية الطفل في هذه المرحلة الهامة من حياته، وما تتطلبه من العناية الفائقة من جميع النواحي إذ تساهم في تكوين شخصيته وتربيته وتنشئته وتثقيفه بما يتفق وأهداف المجتمع ومثله… إنها ركيزة عامة إلى جانب منزل الأسرة ـ من ركائز التربية ـ ونظراً لطول الزمن الذي يصرفه الطفل في مثل هذه المنشآت يمكن القول إن دورها يفوق دور الأسرة في المجال التربوي بكافة نواحيه: البدنية والعقلية والنفسية والعاطفية والاجتماعية… إلخ… وسنستعرض فيما يلي واقع دور الحضانة ورياض الأطفال في بلادنا، إضافة إلى مواضيع الضعف والتقصير لعل في ذلك عوناً على التغيير والتطوير.. لما فيه مصلحة الفرد والأسرة والمجتمع.
بعد نضال طويل وشاق ساهمت فيه الجمعيات والمنظمات النسائية والنقابات بدور فعال، صدر قانون يلزم المعامل والمؤسسات التابعة للدولة بفتح دور للحضانة ـ دور رياض الأطفال ـ لأبناء النساء العاملات والموظفات… إلخ. وكان صدور هذا القانون إنجازاً هاماً، فتح أمام النساء آفاقاً جديدة… وعقلن عليه آمالاً، وقد بادرت بعض المعامل والمؤسسات إلى تنفيذه بنسب متفاوتة، وظل العامل الذاتي يلعب دوراً أساسياً في ذلك، كما أن أسلوب التنفيذ اختلف من مكان إلى آخر. ولم يجر تنفيذه كقانون ملزم، خاضع لمراقبة التنفيذ من قبل الهيئات الحكومية الأعلى.. ولم تخصص له أية هيئة إدارية عليها لمتابعته والإشراف عليه، وبذلك لم تشمل دور الحضانة جميع المؤسسات التابعة للدولة والقطاع العام… إذ تتواجد دور الحضانة ورياض الأطفال في 37% من مجموع المنشآت أو التجمعات العمالية البالغ عددها 993 منشأة وتجمعاً عمالياً. ففي دمشق مثلاً لم تتعد دور الحضانة نسبة 28% من مجموع الشركات والمؤسسات حتى عام 1985 أما في المحافظات فالنسبة أقل بكثير عدا طرطوس، وتستوعب هذه الدور والرياض ما نسبته 25.4% من مجموع أطفال العاملات الذين تقل أعمارهم عن ست سنوات، وهي تتراوح ما بين 28% من مجموع الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 3 سنوات (دور الحضانة) و21.5% من مجموع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3 – 5 سنوات (رياض الأطفال).[1]
من ذلك نتبين أهمية نشر وتوسيع دور الحضانة ورياض الأطفال لتستوعب كافة أبناء العاملات حالياً، ووضع الخطط الكفيلة بجعلها قادرة على استقبال أبناء الوافدات الجدد باستمرار إلى حقل العمل. والذي يتعاظم عددهن مع الظروف المعاشية الصعبة للجماهير الكادحة وبروز أهمية عمل المرأة كعنصر أساسي في دخل الأسرة.
كما ينبغي العمل على إلزام مؤسسات القطاع الخاص بتأمين أطفال العاملات لديهم واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتطبيق القانون حيثما وجدت اليد العاملة النسائية.
أما من حيث الوضع الناشئ في دور الحضانة ورياض الأطفال وتوفر الشروط الضرورية للنهوض بمهمتها الإنسانية فمازالت معظم هذه الدور تعاني من نواقص جدية يمكن تلخيصها فيما يلي:
1- نقص الكادر المؤهل علمياً وتربوياً. فقد كشفت نتائج المسح،[2] أن حوالي 85% من عدد المربيات هن من حملة الشهادة الإعدادية فما دون. في حين لا تزيد نسبة الحاصلات على شهادة أهلية التعليم والشهادة الجامعية على 6.7% من مجموع المربيات وتتراوح نسبة النساء المربيات الحاصلات على الشهادة الإعدادية فما دون، حدها الأقصى في كل من محافظات حماه، إدلب والحسكة ودرعا وطرطوس، حيث بلغت 100%.
وينبغي القول إن الغالبية العظمى من هؤلاء العاملات لا يجوز ـ لو توفرت المقاييس الدقيقة ـ أن يسمح لهن بممارسة هذه المهنة، حتى ولا أولئك اللواتي يحملن شهادات دراسية أو جامعية. فهن لسن بالضرورة مؤهلات للاضطلاع بالعمل التربوي.
إن أعداد الكادر المؤهل تربوياً من أهم الشروط التي ينبغي توفرها في دور الحضانة ورياض الأطفال.
2- عدم توفر المناهج المكتوبة حول مضامين النشاطات والخبرات التي ينبغي إكسابها للأطفال. وقد أشار المسح المذكور إلى أن حوالي 3.8% فقط من مجموع الحضانات ورياض الأطفال. لديها مثل هذه المناهج.
وفي هذا المجال ينبغي على الدولة أن تضطلع بمسؤوليتها الاجتماعية بصدد وضع مناهج محددة ومعينة لدور الحضانة ورياض الأطفال تشمل كافة المجالات التربوية، تتضمن برامج تفصيلية لكل سنة من سني المرحلة. سواء ما يتعلق بالمعارف النظرية والعلمية، والعادات وآداب السلوك الاجتماعي، أو بالصفات الخلقية والإدارية أو العواطف والميول، أو بالصفات البدنية والمهارات الحركية.
إن المناهج تحدد الأهداف لكل سنة وتحدد الوسائل الكفيلة بتحقيقها.
إن الدولة والعاملين بحقل التربية بشكل عام يبدون اهتماماً جدياً بالعملية التربوية في البلاد ويعقدون المؤتمرات ويضعون الدراسات لمختلف مراحل التعليم ما قبل الجامعي، ولكنهم لا يعيرون اهتماماً لهذه المرحلة من حياة الأفراد في المجتمع، ولعلها المرحلة الأكثر أهمية التي تتحدد فيها شخصية الفرد، ويبدأ تكونه.
3- فقدان الإشراف الطبي والنفسي: تتوفر المشرفات الصحيات لدى 7% من دور الحضانة ورياض الأطفال، والمشرفات الاجتماعيات لدى 2.2% منها فقط. إن وجود المشرفة الصحية، وبذل الرعاية الصحية القصوى للأطفال في هذه المرحلة، ووجود المشرفة الاجتماعية المؤهلة من الأهمية بمكان. الأمر الذي يجب فرضه في كل دار حضانة وروضة أطفال.
4- عدم الاهتمام بالتغذية المنظمة: مازالت الغالبية العظمى من دور الحضانة لم تتوصل إلى توفير نظام غذائي جيد للأطفال الذي تحتضنهم. مما يترك أشد الآثار السلبية على صحة الطفل. أما رياض الأطفال فمازال التفكير في مثل هذا النظام غير وارد. ويقتصر على ما يحمله الطفل في حقيبته من (عرائس ولفات) لا يدرك بدوره أهمية تناوله لها.
إن وضع برنامج غذائي منوع وصحي، يجري تطبيقه من قبل القائمين على دور الحضانة ورياض الأطفال مباشرة وبدقة من أهم الأمور لرعاية صحة الأطفال.
5- ضيق المساحة وقلة التجهيزات: يتراوح نصيب المربية الواحدة من الأطفال ما بين 13 طفلاً إلى 18 في بعض الأحيان. وإذا كان العدد مقبولاً بالنسبة لرياض الأطفال إلا أنه غير مقبول بالنسبة لدور الحضانة حيث يحتاج الطفل في هذه المرحلة إلى عناية فائقة ومتابعة وجهد متواصل مما يجعل عمل المربية بالشكل المطلوب صعباً ولو حرصت… والعدد المقبول لهذه المرحلة ما بين 7 – 8 أطفال كحد أقصى.
أما الحدائق والساحات المجهزة بألعاب الأطفال، فقد تبين أن 8.7% فقط من دور الحضانة والرياض تتوفر فيها مثل هذه الحدائق الضرورية للهو والحركة وملء الفراغ وتنمية المهارات.
إن حرص المؤسسات والمعامل على توفير دور حضانة ـ بأي شكل ـ هو جهد مشكور وإيجابي ولكن ينبغي ألا يغيب عن أذهان القائمين على مثل هذا العمل الإنساني والاجتماعي النبيل العوامل والشروط الواجب توفرها، والشديدة الأهمية في تحويل هذه المؤسسات إلى جنات ورياض حقيقية يرتع فيها أبناؤنا وينشؤون كما نريد لهم بناة حقيقيين لهذا الوطن…
6- مشكلة النقل: إن الوسائل الخاصة بنقل الأطفال ما بين البيت والحضانة أو الروضة تتوفر لدى حوالي 10.8% من هذه دور حضانة والروضات. ويحشر في هذه الوسائل المتوفرة الأطفال حشراً بكامل ملابسهم الشتوية، مما يعرضهم للإصابة بالبرد والسعال والرشح والنزلات الصدرية وغيرها من أمراض الأطفال لدى نزولهم منها، بالإضافة إلى ضيق النفس والجو الخانق غير الصحي داخل الحافلة.
لقد اقتصرنا في مقالنا على دراسة الأوضاع القائمة في دور الحضانة ورياض الأطفال التابعة لمؤسسات الدولة والقطاع العام على أمل المساهمة في وضع اليد على النواقص ومواضع الضعف فيها والتي نرجو أن ترى تجاوباً وتفهماً من قبل الهيئات المهتمة بدفع عجلة التطور في هذا البلد إلى الأمام، وفي حل مشاكل الجماهير الشعبية الكادحة وتأمين السبل والوسائل الكفيلة برص الصفوف. ومجابهة أعقد المشكلات وإيجاد الحلول المناسبة لها.
أما ما يتعلق برياض الأطفال التابعة للقطاع الخاص بأكثريتها العظمى فسنفرد مقالاً خاصاً بها في عدد لاحق، وذلك بسبب الخصوصية التي تتمتع بها…
رسالة قد تصل من أطفال سورية إلى شعوب العالم
المسافة الشاسعة بين المرح والطمأنينة والشقاوة البريئة وبين القلق والتحفز والرعب، هذه المسافة اختصرتها الرؤوس النووية الموجهة الآن إلى صدور الملايين من شعوب أوروبا والعالم إلى دقائق معدودات… لقد انتزعنا هذا التصعيد الخطير من مقاعد مدارسنا وأدوات لهونا إلى جو مشحون بالخوف والترقب… ترى هل سيتحول كل شيء إلى رماد؟ … إلى بقايا أشياء يصعب معرفة ما كانت عليه؟
نحن أطفال سورية، هذا البلد الصغير، الكبير الصامد الآن في وجه أبشع هجمة إمبريالية صهيونية تهدف إلى إركاعه وتحويله إلى فلك من أفلاكها، سمعنا الكثير عن الدمار الذي حل بشعوب أوروبا بسبب جنون النازيين المتوحشين وأيضاً تعرفنا إلى مآس كثيرة نتيجة لعدوان العسكرية الإسرائيلية على بلادنا طوال أربعين عاماً مضت.
لقد ازداد كثيراً عدد الأطفال الذين فقدوا آباؤهم في ساحات القتال وتوسعت كثيراً مدارس أبناء الشهداء لذلك كله نستطيع أن ندرك خطر تمادي الإمبريالية الأمريكية في تهديدها لسلام وأمن الشعوب.
إننا نناشدكم نحن أطفال سورية ألا تدعوا دخان الحرائق يخنق بسمة ملايين الأطفال في جميع أنحاء العالم. نناشدكم الانضمام إلى الجبهة العالمية المناهضة لخطر الحروب وتجنيب الإنسانية دفع ثمن عال لنزوة رخيصة.
إلى متى ستظل الشعوب ميداناً لتجارب احتكاريي إنتاج الأسلحة الإمبرياليين؟
ناضلوا معنا من أجل غد مشرق لجميع أطفال العالم. غد لا يعرف فيه الناس الجوع ولا تخترق رئاتهم رائحة البارود.
“أطفال سورية”
عالم الغد… عالم الأطفال
شوقي بغدادي
ولي ثقة أن الطريق ستنتهي كما يشتهي الطفل الخلي ويحلم
لنا زمن الرعب الممضِّ وإنما له الزمن الحلو الرضي المنعم
سيعرف غير الأرض هذي صغيرنا وغير دروس الحقد سوف يعلم
وتترع بالألوان كل خزانة ويصدح بالأعياد بيت ميتم
لأمثالهم نبني ونرفع عالماً على الأرض يحيا الطفل فيه ويسلم
صوت المرأة، العدد 2، 1987
مزاج الطفل العصبي.. العوامل المؤثرة
صحة الجسم وراحة النفس مفهومان متلازمان، فلا تكتمل الصحة إلا باعتدال المزاج وميله إلى الفرح والتفاؤل وأكثر الآباء يشعرون بالقلق إذا أصاب طفلهم شيء بسيط من زكام أو سعال ولا يكترثون بما قد يظهر عليه من اضطراب ومن عادات سيئة ومزاج متقلب، وبكلمة أخرى لا يكترثون بجهازه العصبي.
إن التهيج العصبي ينشأ عند الطفل لعوامل شتى بعضها قبل الولادة بسبب المؤثرات المزعجة على الأم أثناء الحمل أو أثناء الولادة أو بعدها من جراء الخصومات العائلية أو مرض الأبوين وفقدانهما مما يترك أثراً كبيراً على نفسية الطفل.
والسؤال الآن هل يدوم التهيج العصبي طويلاً أم يبقى قصيراً؟ وهل يبقى الطفل عصبياً عندما يكبر ويصبح يافعاً؟
والجواب هو أن ذلك كله يتوقف على ظروف الحياة التي يعيشها الطفل. إذ يمكن أن يتحول الأمر في كثير من الأحيان إلى مرض خطير بسبب قصور التربية أو السلوك الخاطئ الذي يسلكه الكبار نحو الطفل.
ويتميز الأطفال العصبيون بأن الانطباعات التي تمر بالطفل المعافى من دون أثر تسبب لهم ردود فعل مديد، وشديدة. ويمكن أن يخاف الطفل ويبكي من رؤية النار تندلع فجأة، لكن الطفل العصبي يشتد بكاؤه وقتاً طويلاً أو يلوذ بالصمت فترة طويلة ولا ينسى الحدث بسرعة بل يتذكره طوال أسابيع وشهور.
ويبلغ الخوف بالأطفال العصبيين حد الرهبة من البقاء وحيدين في الغرفة، والخوف من صوت الرعد والريح كما يرهبون الحشرات والحيوانات والناس الأغراب. ويكون الطفل السليم في العادة متزن المزاج دائماً، وإذا حزن أو غضب لا يحدث ذلك من دون سبب، أما الأطفال العصبيون فمزاجهم متقلب ومرد ذلك أن ردود الفعل لديهم غير متزنة. وقد تبدو عند الأطفال جميعاً مظاهر العناد لكنها وقتية وغير بارزة لدى الأصحاء أما العصبيون فتستمر لديهم طويلاً.
ومن الصفات التي يتميز بها الأطفال الأصحاء ميلهم إلى الأصدقاء وانجذابهم إليهم أما العصبيون فإنهم لا يجدون مكانهم في الحياة الاجتماعية ويميلون إلى العزلة ويجنحون بسرعة إلى الغضب ويصعب عليهم تغيير الوضع الذي هم فيه.
ويعتبر النوم أدق الأدلة على حالة الجهاز العصبي، فإن الطفل العصبي لا ينام إلا بصعوبة ونومه خفيف متقطع ويكثر من الصراخ والتقلب وقد يقفز أثناء نومه.
وطبيعي أن هذه الأغراض جميعها قد لا تظهر على كل طفل عصبي. ومع هذا فإن أي مرض عصبي يجب أن يكون فيه تحذير للآباء والأمهات ومن المفيد أن نلحظ هذه الأعراض قبل استفحالها، وذلك لمنع تبلور السمات المرضية العصبية في طبع الطفل.
ما هو المطلوب ليكون الطفل نشيطاً ممتلئاً بالحيوية دائماً؟ من الطبيعي أن ذلك لا يقتضي ملاعبة الطفل وتسليته من الصباح حتى المساء بل أن نعوده على إيجاد أسباب المرح بنفسه وبمحيطه بالألعاب المتوفرة لديه. ولاشك أن البيئة المحيطة بالطفل لها أهمية أساسية في صياغة هذه السمة في طبعه. فالطفل سينشأ مؤنساً لطيف المعشر في محيط أسرة مرحة ونشيطة ومتفائلة.
ومن النصائح التي نقدمها للأسرة ما يلي:
1- اجتناب الحديث عن الأطفال على مسمع منهم (عن مرضهم عن مخاوفهم ـ الأحداث السيئة).
2- مشاطرة الآباء أطفالهم بما يشعرون به من فرح وحتى لو كان تافهاً غير ملفت للنظر (رؤية ورقة شجر تسقط على الأرض).
3- أن يلفت الأهل اهتمام الطفل بكل ما هو ممتع وجميل حولهم وتجنب الحديث عن الأخطار فقط مثل (لا تصعد الشجرة فقد تسقط وتنكسر ضلوعك).
4- أن لا يلجأ الكبار إلى تخويف الطفل من الجن والشياطين والضباع.
5- مكافحة الجبن عن الأطفال وذلك بصبر وأناة وحذر مثال (النوم بغرفة مظلمة، أو النوم وحيداً، تخفيف الإضاءة تدريجياً)، اصطحابه إلى الفراش تدريجياً الانسحاب بعد تهدئته، ومن المهم جداً تربية الأطفال بروح الاعتماد على الذات وذلك بترك الطفل لتأدية الأعمال التي تلائمه بنفسه والتدرج إلى غيرها مع مراقبة تنفيذه وامتداحه عندما يجيدها وبذلك تدخل السعادة إلى قلبه.
ويوصي بأن تكون لهجة الحديث مع الطفل وخاصة العصبي ـ هادئة لطيفة ومزج اللين بالحزم مع ملاحظة خصائص الطفل الذاتية وعدم التنازل في أي بادرة من بادرات مزاجه أثناء فورات عناده. وحينما يكون الطفل في حالة الانفعال فإن أي تدخل لا جدوى فيه بل يزيده عناداً والأفضل أن يتذرع الأهل بالصبر وحين يهدأ الطفل يشرح له أن مثل هذا السلوك غير مسموح به.
وقد أجمع المربون والأطباء على معارضة كل إسراف في ملاطفة الطفل لأن التدليل وإحاطة الطفل بكل أسباب الرفاهية قد تنحدر به إلى اعتلال الصحة وتحد من استعداده للحياة السوية.
لكن هذا لا يعني أن نكون صارمين جفاة مع الأطفال دائماً لأن دفء الحنان الأبوي ضروري للطفل لكي يشعر بأنه محبوب من أبويه وأنه موضع العناية ونوصي الآباء أن يحترموا الشخصية الذاتية لطفلهم لأنه سينشأ حتماً أغنى عاطفة وأقدر على التلطف بالناس والاهتمام بهم.
ونصيحة أخيرة هي القاعدة التربوية المعروفة: (إن ما يؤثر في الطفل هو ما يعمله المعلم لا ما يقوله). فاختصروا ما أمكنكم من المواعظ والنصائح واعملوا أكثر من هذا على توفير الظروف الصحية الملائمة للطفل وكونوا النموذج له في الغبطة والتفاؤل وضبط النفس.
صوت المرأة، العدد 2، 1987
ممدوح
ممدوح طفل من أطفال بلادي الذين يعشقون الحرية، ويحبون النسور، ويحلمون بامتطاء عنان السماء. في الثانية عشرة من عمره، وهو الابن الرابع بين أطفال ستة.
نشأ بينهم وردة صغيرة في حديقة منوعة. الأبد يكدح ليؤمن لهم لقمة العيش إضافة إلى تكاليف دراستهم يريدهم أن يتعلموا “حتى لا يشقوا أو يتعثروا مثلي” هكذا كان يقول.
الأم طيبة كالأرض التي نشأت عليها، كانت كثيراً ما تحكي لأولادها قصصاً وحكايات حلوة، متنوعة، وتحدثهم عن حياتها وحياة أبيهم عن سعادتهما معاً قائلة كل مرة “أبوكم ينسى كل شقائه وأنا أنسى كل تعبي إذا فرحتمونا بكم وكنتم مجتهدين بالمدرسة والله يقدرنا على تعليمكم حتى تنالوا الشهادة وتستندوا إليها” وكانت تخطط لهم فأحدهم طبيب والآخر مهندس والتعليم للبنات، وكانت تتمنى لممدوح أن يصبح طبيباً، أما هو فكان يفكر بشكل آخر. كان يريد أن يكون طياراً مثل خاله الذي كثيراً ما حدثه عن الميغ وكيف يصبح خاله معها وبحماية سام (6) نسراً لا يخاف شيئاً.
كان يريد أن تكون عنده طائرة صغيرة يركبها ويحلق في الفضاء العالي “آه ما أجمل السماء… ما هذه الأرض لقد وطئها الجميع أما السماء فهي للنسور فقط”. وبدأ ممدوح يترعرع وحلمه يكبر ويكبر ولم يكن أمام منزل ممدوح حديقة أو نادي يمكن له أن يمارس فيه ألعابه أو كما شاهد مرة في التلفزيون ركناً صغيراً لصنع الطائرات الصغيرة أو ليتدربوا على الهبوط بالمظلات، لم يكن أمام منزله سوى أعمدة الكهرباء التي تتدلى الأشرطة المقطوعة منها. كانت دائماً بوجه ممدوح. صحيح أن ممدوح طيّر الكثير من الطائرات الورقية لكنه لم يطر ولهذا أمسك بأحد أشرطة الكهرباء المتدلاة ورجع قليلاً للوراء وطلب من زميله أن يدفعه دفعة قوية فارتفع قليلاً في الهواء وذاق حلاوة الطيران “آه ما أجمل التحليق” وكررها مرات عديدة وفي آخر مرة طار كانت دفعة زميله قوية، ولم يستطع تمالك نفسه والإمساك بالشريط بشكل جيد فانقذف لعدة أمتار وكان يبتسم فلقد تصور نفسه طياراً كبيراً يقفز من طائرته ليطير بدونها. ها قد أصبح نسراً دون أن يدرك أن الموت كان يترصده تحت عجلات سيارة مسرعة.
ذهب ممدوح وابتسامة طفولية تلوح على شفتيه الميتتين… ودهشة أبدية ترتسم على وجهه البريء.
صوت المرأة، العدد 2، 1987
كي لا يرى الأطفال الشقاء في المستقبل
في عشية عيد النصر على ألمانيا الفاشية الذي احتفل به الاتحاد السوفييتي يوم 9 أيار باعتباره عيداً بهيجاً وكبيراً وقعت في مدينة فولوغراد حادثة مأساوية روعت لها المدينة. فقد عثر على ثلاثة أولاد تتراوح أعمارهم بين العاشرة والثالثة عشرة على لغم ألماني يعلوه الصدأ ويعود إلى أزمنة الحرب العالمية الثانية وسط حقل اجترفت مياه الربيع الطبقة السطحية من تربته. وليس ثمة من يعرف ماذا حدث بعد ذلك الانفجار الذي دوى أودى بحياة الأولاد الثلاثة.
يقول غينادي كيرييف وهو رئيس فرقة عمال في ورشة فرن مارتين بمصنع “كراسني أوكتيابر”، “أكتوبر الأحمر” للحديد والصلب في فولوغراد:
إن أفظع ما في هذا الحادث هو أن يلقى أطفال مصرعهم. فالحرب بوجه عام أمر فظيع غير أن الحرب العصرية التي لا تميز بين المحق والمذنب والتي لا ترحم أبداً لا الشيوخ ولا النساء ولا الأطفال أشنع ألف مرة.
كيرييف يعرف الحرب لا عن طريق السماع. فذكريات طفولته يعكرها دوي الانفجارات ودخان الحرائق. كان غيناي في الثامنة من العمر حين ابتدأت معركة ستالينغراد صيف عام 1942. وكانت أسرته تقطن داراً صغيرة على مقربة من مصنع “كراسني أوكتيابر” حيث تعمل والدته. وكان والده استشهد قبل ذلك على جبهات الحرب.
في آب 1942 ابتدأ قصف الأحياء السكنية والمؤسسات الصناعية. ذات يوم توقف أمام نافذة الدار سيارة إسعاف وترجلت منها والدته. كانت الضمادة سميكة التي تلف ذراعها مصطبغة بلون الدم المتخثر. لقد انفجرت قنبلة في الورشة وقطعت شظية من شظاياها أصابع كفها الأيمن. ولم يعد بإمكانها مزاولة عملها.
لم يتسن لأسرة كيرييف مغادرة المدينة المحاصرة شأنها شأن بضع عشرات الألوف من سكانها. لذا قامت بحفر خندق مسقوف في فناء الدار للاحتماء به من عمليات القصف. وذات يوم سقطت قنبلة على فناء الدار المجاورة فطمر خندق أسرة كيرييف تحت كوم من الرمل. غير أن الحظ حالف الآخرين في إخراج الأسرة من تحت الأنقاض في الوقت المناسب.
أما في خندق الجيران فلم يكن ثمة أحد بحاجة إلى من ينقذه.
يقول كيرييف:
– كنت أنا وشقيقتي محظوظين فقد كانت أمنا على قيد الحياة. فتصوروا حال الأطفال الذين فقدوا ذويهم.
بعد انتهاء العمليات القتالية مباشرة نظمت سلطات مدينة ستالينغراد أعمال بحث عن الأطفال اليتامى والمشردين.
الكسندرا تشركاسوفا التي كانت تعمل سابقاً في روضة للأطفال تستعيد ذكرياتها قائلة:
– كنا نعثر عليهم في كل مكان، في السراديب والأقبية والخنادق والوهاد جياعاً قذرين خائري القوى في غضون الفترة من كانون الثاني إلى نيسان 1943 تسنى العثور على أكثر من ألفي طفل يتيم.
وعلى الرغم من أوضاع الضيق والمجاعة قام السكان المحليون بتبني وتنشئة 1238 طفلاً منهم. وأرسل الباقون إلى ملاجئ الأطفال.
غينادي كيرييف:
– لكن هناك الكثير من المشاهد المفجعة وقد انحفرت كلها بوضوح في ذاكرتي. وأنا أقصة أهوال تلك الأزمنة العصبية على أبنائي وأقصها الآن على أحفادي الثلاثة جنبهم الله شر تلك الأيام وأمثالها.
قبل بضع سنوات قرر كيرييف تحويل جزء من مرتبه وبشكل منتظم إلى صندوق السلام السوفييتي. وهو يقول بهذا الصدد:
– لقد اتخذت هذا القرار لأنني أقلق ليس فقط على مستقبل أبنائي إنما على مستقبل أطفال لبنان وليبيا ونيكاراغوا وجنوب أفريقيا. وأتذكر لقطات من تحقيق تلفزيوني عن قصف بيروت عام 1982. لقد سقطت قنبلة ارتجاجية على عمارة سكنية وساوتها مع الأرض بلمح البصر. اعتراني أنا الجالس أمام التلفزيون رعب شديد وهو نفس الرعب الذي عرفته في طفولتي. وتذكرت الخندق الذي كان يلجأ إليه جيراني إبان القصف.
يقول إن التاريخ يكرر نفسه. ولكن إلى متى ستبقى في العالم مظاهرة القسوة الوحشية وإلى متى سيموت الأطفال ـ هذه المخلوقات البريئة العزلاء وإنني أجد لزاماً علينا نحن بسطاء الناس من مختلف البلدان أن نوحد جهودنا في سبيل أن نتغلب أخيراً على قوى الشر الغاشمة.
“عن نوفوستي”
صوت المرأة، العدد 2، 1987
مقتطفات من الصحف الشقيقة
نشرت “صوت المرأة” الجريدة المركزية لرابطة النساء الديمقراطيات في السعودية في العدد 12 شباط 1987. لقطات تصور الواقع المرير اللا إنساني الذي تعيشه النساء في السعودية. نقتطف منها ما يأتي:
o تحت عنوان: صدق أو لا تصدق ذكرت الجريدة:
– طالبات جامعة الرياض المقيمات في سكن الكليات لا يسمح لهن بالخروج من السكن إلا مرة واحدة في الأسبوع فقط.. وينطبق ذلك على الطالبة المريضة التي تحتاج مراجعة المستشفى.
– كانت زوجة السفير التونسي وهي حامل ـ تمشي في مجمع العقارين التجاري بالرياض. وشاهدها عناصر ما يسمى بـ “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” التابعة للسلطة فضربوها ضرباً مبرحاً أدى إلى سقوط الجنين والإجهاض. وذلك بحجة أنها “سافرة ومتبرجة”؟
o وتحت عنوان “ما رأيك بهذا الإعلان” كتبت الصحيفة إعلان هام لمن يرغب في بيع أو شراء جنس بشري…
– امرأة بكر بسعر 40 ألف ريال تشمل المصاغ والملابس فقط لا غير…
– امرأة ثيب بسعر 25 ألف ريال تشمل كذلك المصاغ والملابس فقط لا غير.
o وفي مجلة صوت المرأة الأردنية الشقيقة اخترنا هذه الخاطرة التي كتبها إحدى العاملات ونشرتها المجلة في عددها الأول ـ آذار ـ 1987 تحت عنوان “صور من مجتمعنا”.
– كانت الآلات تدور وتدور، وضجيجها يملأ المكان، وجميع العاملات يكدحن كخلية النحل، وصوت طفلي الصغير يطغى على الأصوات، كنت قابعة وراء آلتي، أعمل، وصوت طفلي الرضيع يطغى على الأصوات… كنت أنتج بكل ما أملك من طاقة وجهد، أحاول أن أظل العاملة الماهرة المعترف بقدرتها الفنية والمتفوقة في كل شيء… ثم صوت طفلي الصارخ الذي يملأ أذني ويملأ المكان… لم يكن باستطاعتي الاحتمال أكثر، صحوت وأنا أوقع مذكرة احتجاج، مذكرة مطالبة لأن يكون لأطفالنا حضانة.. وصوت ابني يطغى على كل الأصوات، حتى على صوت المدير الرافض… يهدم كل أمومتي، يهدم مقدرتي كعاملة معترف بمهارتها، يهدم إنسانيتي بكل بعدها الفعال والإيجابي… ويفصلني عن العمل..
أندع
الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي
1- تلقت الرابطة رسالة من “أندع” موجهة إلى كافة المنظمات النسائية في العالم تحتج فيها على الإرهاب الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي على أهلنا في الأراضي العربية المحتلة ونورد مقتطفات من هذه الرسالة:
إن “أندع” يدين موجة التعسف (الإرهاب) الجديدة التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي ضد السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، وإغلاق أربع جامعات وقتل الطلاب، والحملة الدموية المعادية للعرب في القسم الغربي من القدس والتي أدت إلى قتل وجرح العديد من السكان العرب إن “أندع” يدعم بكل قواه نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه المشروعة في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على أرضه. إن الأعمال الإرهابية التي يقوم بها المحتلون الإسرائيليون ما هي إلا برهان جديد على أن إسرائيل تدوس بأقدامها قرارات الأمم المتحدة وبيان حقوق الإنسان.
وبينت الرسالة اعتماد إسرائيل في عملها هذا على التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية وانتهت الرسالة بإيراد عدة مطالب منها: الإيقاف الفوري للمجازر الدموية، العمل للوصول إلى سلام عادل في الشرق الأوسط.
2- كما أصدر اندع بياناً بتاريخ 2 شباط 1987 حول حصار المخيمات الفلسطينية في لبنان جاء فيه: “اندع” يطالب بوقف المعارك ضد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. إن الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي يساوره قلق عميق نتيجة المعارك المستمرة ضد الفلسطينيين في مخيمات اللاجئين في لبنان والتي تسببت بخسائر فادحة ومن بينها النساء والأطفال والتي حرمت سكان المخيمات الشروط الأساسية للحياة.
إن هذه الصدامات لا تخدم إلا الأوساط العدوانية الأمريكية والإسرائيلية لتزيد من تفاقم الوضع بما يخدم مصالحها ولعرقلة الحلول العادلة لمشكلة الشرق الأوسط. وينتهي البيان بمطالبة “اندع” بحل عادل وشامل لمشكلة الشرق الأوسط من خلال مؤتمر دولي للسلام على أساس قرارات هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
4- سيتوجه “أندع” برسالة إلى كافة المنظمات النسائية العالمية يطلب فيه التضامن مع نساء الباراغواي اللواتي يرزحن منذ ثلاثة وثلاثين عاماً تحت الحكم الدكتاتوري فيتعرضن للاعتقال والتعذيب وتنتهك حقوقهن خلال نضالهن من أجل مطالبهن الاقتصادية والديمقراطية، فمن المعلومات التي وردت من المنظمات النسائية في الباراغواي علمنا أن الساميريليز رئيسة جمعية ممرضات المشافي والمستوصفات، ولويزا بينتز قد سجنتا منذ الرابع من كانون الأول في السجن الإفرادي والمعتقلتان عضوتان في اتحاد النساء في الباراغواي. لذا نطلب منكن القيام بأعمال تضامن معهما والمطالبة بإطلاق سراحهما، وتذكر الرسالة أن أندع قد توجه إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة لهيئة الأمم المتحدة مطالباً بإطلاق سراحهما.
5- رسالة تضامن من الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي مع نساء الصحراء الغربية
بمناسبة 20 أيار يوم التضامن مع شعب الصحراء الغربية ويوم تأسيس جبهة البوليساريو يحيي (اندع9 باسم نساء العالم جميعاً الاتحاد القومي للنساء الصحراويات والشعب الصحراوي البطل في نضاله الشجاع دفاعاً عن حقوقه المشروعة ومن أجل السلم وتقرير المصير. بدون قيود عسكرية أو إدارية برعاية “منظمة الوحدة الأفريقية ـ O.A.U” والأمم المتحدة.
إن (اندع) تؤكد تضامنها الكامل مع القضية العادلة لشعب الصحراء الغربية، وتهيب بجميع المنظمات والقوى المحبة للسلام والعدالة لتعزيز دعمها المادي والمعنوي لشعب الصحراء، في سعيه لممارسة حقوقه الشرعية ولبناء الجمهورية العربية الديمقراطية الصحراوية.
برلين أيار 1987
اتحاد النساء الديمقراطي العالمي
أندع
الأموات لا يكبرون
شعر: ناظم حكمت
هذا أنا الذي يطرق على بابكم
وكم من مرة فعلت ذلك
ولكن لا أحد يريد أن يراني
لأن الأموات غير مرئيين
لقد مت في هيروشيما منذ عشرات السنين
وعمري هو دائماً سبع سنوات
لأن الأموات لا يكبرون
***
حرقوا شعري أولاً
ثم قلعوا عيني
لم أكن إلا كومة من رماد
ذرّت في الهواء
***
لا أريد شيئاً لي
لأن طفلاً تحول إلى رماد
لا يستطيع أن يمص السكاكر
إنني أطرق على بابكم
عمات وأعماماً
خالات وأخوالاً
أعطوني تواقيعكم
حتى لا يتحول الأطفال إلى لهب
حتى يستطيعوا من جديد
مص السكاكر.
***
[1]- الخصائص الاجتماعية والاقتصادية للمرأة العاملة بدمشق، تم إجراء البحث من قبل اتحاد عمال دمشق بالتعاون مع الأستاذ “ممدوح المبيض”، 1985.
[2]- الخصائص الاجتماعية والاقتصادية للمرأة العاملة ـ دراسة تحليلية ـ لجنة المرأة العاملة (التقرير العام)، 1985.