المحتويات
· أضواء على واقع المرأة في سورية
أضواء على واقع المرأة في سورية
تخوض المرأة السورية الآن معركة متعددة الوجوه متشابكة الأطراف كي تستطيع اللحاق بركب الحضارة في عصر يتقدم فيه العلم وتتطور وسائل الإنتاج بسرعة فائقة ولهذا فإن نضال المرأة عندنا يهدف إلى تخليص نصف المجتمع من الشلل الذي أصابه خلال مراحل تاريخية طويلة ليتمكن من المشاركة في علمية البناء التي تشهدها سورية، والهادفة لتحقيق المقدمات المادية والاجتماعية والسياسية للاشتراكية.
ولا يمكن فهم الوجوه المتعددة للنضال الذي تخوضه المرأة السورية إلا إذا استعرضنا وضعها الاقتصادي في ظروف بلادنا، هذا الوضع الذي ينعكس بالضرورة على واقعها الاجتماعي والسياسي لاستخلاص المهام الموضوعة أمام النساء في هذه المرحلة.
إن سورية تجتاز اليوم مرحلة تاريخية هامة ودقيقة، مرحلة صيانة وتوطيد الاستقلال الوطني والقضاء على التخلف وإزالة آثار العدوان الإسرائيلي، مرحلة توطيد وتوسيع التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تمت خلال السنوات الأخيرة والانتقال فيما بعد إلى انتصار الثورة الاشتراكية.
ولقد كانت المرأة عبر تاريخا الطويل مع الرجل، تعمل وتناضل وتضحي، منذ أن كانت تضع الحجاب إلى أن أخذت قسطها من التحرر، وتحدثنا أمهاتنا عن النساء السوريات اللواتي قمن بمظاهر ضد سلطات الاحتلال عام 1922 وكان أزواجهن في السجون، وقد اعتقل المحتلون آنذاك عدداً من النسوة، الأمر الذي أسرع في تفجر الثورة التي اندلعت عام 1925 حيث قامت الثورة السورية الكبرى. وهكذا فقد كانت الحركة النسائية بنت هذا النضال الثوري ضد المحتل فنشأت وترعرعت في غمرة العمل للتخلص من الاحتلال. وما يزال نضال المرأة السورية في وقتنا الحاضر يجمع في أهدافه بين التحرر الوطني والذي يتمثل اليوم في إزالة آثار العدوان الإسرائيلي على الأرض العربية، وبين التحرر الاجتماعي لجماهير النساء.
إن هذه الصورة المشرقة لنضال المرأة إلى جانب الرجل، كانت تقابلها صورة أخرى مظلمة عن تخلف المرأة الذي نجم عن التخلف الاجتماعي العام الذي لحق بالمجتمع السوري، وبالمجتمع العربي كافة، ذلك أن هذا التخلف الاقتصادي والاجتماعي قد أوجد في مجتمعنا قيماً وعادات وتقاليد أعاقت المرأة عن أن تتساوى بالرجل ومنعتها من التطور.
الوضع الاقتصادي للمرأة السورية:
إن عدد النساء في سورية حسب الإحصاء الأخير (وزارة التخطيط) يبلغ 2904001 أي نصف مجموع عدد السكان تقريباً 49%. ولا يشكل مجموع النساء العاملات إلا 10% فقط من حجم قوة العمل السورية، وهذا يكشف لنا حقيقة هامة وهي أن جزءاً كبيراً من قوة العمل ما يزال عاطلاً لا يمارس فعالياته بينما سورية بحاجة إلى الاستفادة من كل الطاقات الموجودة من أجل عملية التحول الاقتصادي والاجتماعي.
لقد بقيت المرأة السورية فترة تاريخية طويلة بعيدة عن المشاركة في الإنتاج (طبعاً باستثناء اشتراك المرأة في الإنتاج الزراعي وبعض الأعمال اليدوية والمنزلية) نظراً لأن الأنظمة السائدة حينذاك لم تكن تسمح للمرأة بأكثر من دور يقتصر على الزواج وتربية الأطفال والخدمة حتى أصبحت المرأة تعتقد تحت ضغط التقاليد والتربية بأنها غير قادرة على تجاوز هذا الدور. وبقيت محرومة من أبسط حقوقها المشروعة. ولقد رفضت المرأة هذا الدور في الماضي ولكن هذا الرفض لم يتحول إلى حركة اجتماعية لها أبعادها إلا بتزايد الدور الاقتصادي للمرأة. وقد أخذ هذا الدور يتزايد مع نشوء وتطور الرأسمالية وهكذا يصح القول بأن الحركة الاجتماعية المعاصرة للمرأة السورية نشأت وتطورت بالارتباط مع نشوء وتطور الرأسمالية وتطور القوى المنتجة وبالارتباط مع نمو وتطور الحركة الوطنية.
إن الأشكال الأولية لمشاركة المرأة في الإنتاج بدأت بممارسة بعض الأعمال التي يغلب عليها الطابع الحرفي والتي تستعمل فيها الأدوات المبسطة ولا تحتاج إلى تأهيل مهني أو تأهيل مهني بسيط مثل صناعة القش والحصر والتبغ والبسط والغزل والنسيج على النول اليدوي إلى جانب الخياطة والتطريز.
وأما الآن فالمرأة السورية تساهم في مختلف ميادين الإنتاج الصناعي والزراعي.
الأسباب التي دفعت المرأة السورية لدخول ميدان الإنتاج:
1- الحاجة المادية: إن ارتفاع مستوى المعيشة الذي يرافق عادة النمو الصناعي وازدياد عدد السكان جعل عمل المرأة حاجة أساسية تحس بها كل عائلة لتغطية نفقات المعيشة وهذا العامل هو الحاسم.
2- تطور النظام الرأسمالي الذي لعب دوراً كبيراً في دخول المرأة ميدان العمل لأن طبيعة هذا النظام تتطلب استخدام النساء والأطفال كأيد عاملة رخيصة.
3- انتشار التعليم والثقافة والارتفاع التدريجي للمستوى الفكري في البلاد والتأثر بالتطور الحاصل في البلدان المتقدمة.
4- تأثير الأفكار الاشتراكية التي أخذت تستهدف أسس العقلية التي تمنع المرأة من المساهمة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية بشكل واسع والدور الكبير الذي تلعبه المرأة في البلدان الاشتراكية.
5- أخذت المرأة تدرك بحكم تجربتها أن تحررها الاقتصادي يضع حداً لعبوديتها للرجل وتحررها الاجتماعي يخلصها من القيود الرجعية التي تكبلها ويجعل منها عضواً فعالاً في المجتمع.
6- ولكن حتى الآن لا تزال مساهمة المرأة في ميدان الإنتاج الصناعي ضئيلة جداً وتكاد تكون معدومة في بعض المحافظات مثل حماه ـ الرقة ـ دير الزور.
7- وحتى في المحافظات المتطورة والتي توجد فيها الصناعة منذ عشرات السنين كدمشق فإن نسبة النساء العاملات إلى الرجال ضئيلة جداً. مثال ذلك مصانع الغزل والنسيج الكبيرة في دمشق مثل الشركة الخماسية وهي من أكبر المؤسسات الصناعية والتي تضم حوالي 3000 عامل لا يوجد فيها عاملات سوى في مصنع السجاد (قسم الرتي) التابع للشركة الخماسية والذي يوجد فيه حوالي 30 عاملة فقط. وكذلك شركة الصناعات الحديثة والتي يوجد فيها أكثر من 1200 عامل ولا يوجد فيها سوى 60 عاملة فقط.
صوت المرأة ـ العدد 27 ـ 1973