المحتويات
· أوضاع العاملات والفلاحات في ريف الجزيرة
أوضاع العاملات والفلاحات في ريف الجزيرة
قبل معرفة التطورات التي جرت في مختلف النواحي في الريف، لابد من العودة قليلاً إلى الوراء.
فقبل دخول أسلوب الإنتاج الرأسمالي إلى ريف الجزيرة واتساعه كان هذا الريف يعيش تحت سيطرة بقايا الإقطاعيين وكبار الملاكين في أرض واسعة شاسعة تعتمد على المطر.
إن طابع الإنتاج الغالب كان يدوياً. فكانت المرأة تساهم بقسط يكاد يزيد عن قسط الرجل في علمية الإنتاج.
من الناحية الاجتماعية لم يكن للفتاة رأي فيمن تتزوج، أو بالأحرى لمن تباع. ولم يكن للنساء أو البنات حق في مشاركة الزوج أو الأب الطعام. ولم يكن لها رأي في داخل البيت أو خارجه. تعاني من كابوس تعدد الزوجات كثيراً. فهي تقوم بالإضافة إلى أعباء الولادة وتربية الأطفال بأعباء البيت والمشاركة في سائر الأعمال الإنتاجية. وكانت تجلب الماء من الآبار ومن أمكان بعيدة وتقوم بعملية العجن والخبز في التنور وبصناعة الجلة وتأمين الحطب وتحلب المواشي والأبقار وتخض اللبن من أجل استخراج السمن وتقوم بتقديم العلف والمساهمة في سقي الحيوانات وفي بناء البيوت وتربية الدواجن وفي الحصاد وتساهم في جمع المحصول ونقله إلى البيدر ودرسه وتعبئة الغلال وتخزين التبن علاوة على ما كانت تتعرض له من تقديم الخدمات لبيت الإقطاعي أو الملاك.
فالمرأة ما كانت تقطع الثلاثين عاماً من عمرها حتى تبدو عليها علامات الإنهاك والكبر، ومتوسط عمرها كان أقل من عمر الرجل بكثير، ناهيكم عن فقدان كل وسائل التطبيب والرعاية الصحية المعروفة الآن والاعتماد الغالب على التطبيب العربي والنباتات المجربة.
لكن على أثر دخول الآلة الزراعية في أواخر الأربعينيات ومطلع الخمسينيات فقد تغيرت الكثير من الأمور إذ أن دخول الآلة قد رفع عن كاهل المرأة الكثير من الأعمال ولكنها من جهة أخرى زادت من عملية استغلالها نظراً لأن الآلة كانت ملكاً للإقطاعي، ولكن ذلك لم يمنع أن تبقى أعمال كثيرة مرتبطة بها. فمثلاً جمع القش من وراء الحصادة ونقله إلى البيت ثم عملية درسه وتخزينه هذا في الأراضي البعلية، وبسبب نقص الثروة الحيوانية نقص دور المرأة أيضاً في هذا الميدان.
كما أن هناك زراعة العدس التي تزرع في الأراضي البعلية وتشتغل فيها النساء بنسبة كبيرة إذ تتراوح نسبة النساء في هذا الميدان من 75 – 80% أما بالنسبة للأجور فكانت في السابق تتراوح بين 2.50 – 3.00 ل.س للكبار و2.00 ل.س للصغار التي أعمارهم من 10 – 15 سنة وكانت ساعات العمل من 11 – 12 ساعة في اليوم وفترات الاستراحة حوالي نصف ساعة أثناء الفطور وساعة أثناء الغداء، وهناك وسطاء متعهدين مع صاحب المشروع وهم يأتون بالعاملات للعمل. أما الآن فقد ازدادت الأجور تقريباً بحيث تتراوح بين 4 – 5 ل.س عن كل يوم وساعات العمل هي نفسها وهذه الأجور تزداد وتنقص بحسب المواسم هذا بالنسبة للأراضي البعلية. أما بالنسبة للأراضي المروية فإن دخول أسلوب الإنتاج الرأسمالي أدى إلى تشديد الزراعة (أي التوسع العمودي في الزراعة فعرفت أرياف الجزيرة زراعة القطن حتى أصبحت مساحة الأراضي المروية تقارب 120 ألف هكتار حسب إحصائيات 1972. والقطن بوجه خاص هو الميدان الرئيسي لعمل المرأة في الريف، بل إن مساهمة المرأة في هذا الميدان تزيد عن مساهمة الرجل وتصل إلى 75 – 80% من سائر العمليات الزراعية الخاصة بالقطن من التغريس (أي البذر باليد) توصلهم وأطفالهم إلى المدينة للذهاب إلى الطبيب وكذلك أثناء الولادة فنرى النساء في الريف تتعسر ولادتهن لعدم وجود القابلات القانونيات. أما نسبة النساء الأميات في الريف فهي مرتفعة جداً وقد تصل إلى ما فوق 95%. وبالرغم من أن وجود المدارس في الريف وإن لم يكن بدرجة كافية يدفع الفلاحين لإرسال أبنائهم وبناتهم إلى المدارس إلا أن أغلب البنات يخرجن من الصفوف الأولى والكثير من الأولاد إن لم يكن أهاليهم من القادرين على تدريسهم يتركون المدرسة بعد المرحلة الابتدائية.
أما من ناحية أطفال الفلاحات والعاملات الزراعيات فهم عرضة للجوع والعطش والمرض وخاصة في أيام المواسم وليست هناك أية رعاية صحية بهم أثناء العمل بل يجري نقلهم إلى الأماكن القريبة من العمل. ويتميز الغذاء الذي تتناوله الأم والأولاد بأنه لا يحتوي على القيمة الغذائية الكافية، الأمر الذي يعرضهم في الرضاع وما بعدها إلى العديد من الأمراض ثم الموت.