المحتويات
· الرابطة في عيدها العشريني
· حول أوضاع عاملات الكونسروة
· الزاوية النظرية
الرابطة في عيدها العشريني
مع إطلالة تشرين الثاني، تحتفل رابطتنا بالذكرى العشرين لتأسيسها، ففي عام 1948 تنادت نساء من دمشق وحمص لتشكيل منظمة نسائية جماهيرية، فكانت رابطة النساء السوريات لحماية الأمومة والطفولة أول منظمة جماهيرية للنساء تعبر عن مطالب العاملات والفلاحات والمثقفات وربات البيوت وتناضل من أجل تحسين مستوى حياتهن، وزيادة دورهن في حياة البلاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وهكذا فقد أخذت الرابطة منذ ميلادها طابعها الشعبي والنضالي وقد أكد على ذلك مؤتمرها الأول الذي عقدته في عام 1949.
لقد وجدت الرابطة في سنين حبالى بالأحداث الجسام وقوى التحرر تخوض معركة قاسية وشريفة ضد أشكال الاستعمار العالمي وفي وطننا العربي غرس المستعمرون إسرائيل سرطاناً خبيثاً وشرد ملايين الفلسطينيين من ديارهم والرياح العاتية تعصف لتقتلع نبتة الاستقلال الفتية التي نالها شعبنا السوري نتيجة مئات السنين من النضال، وهكذا وجدت رابطتنا نفسها في غمرة العمل لرص صفوف النساء واقتلاعهن من القواقع التي صنعها المحتلون الأتراك والفرنسيون، والرجعيون المحليون، لقد كان تجاوب النساء عظيماً فلم تلبث أن تشكلت فروع في معظم المدن السورية وفي أحيائها الشعبية وفي القرى النائية إذ وجدت في الرابطة المعبر الوحيد عن مطالبهن وآمالهن، وفي آن واحد خاضت رابطتنا النضال الاجتماعي والسياسي، فوقفت إلى جانب أبناء شعبنا ضد الأحلاف العسكرية والمشاريع الحربية التي كانت الوجه الآخر للنظام الاستعماري الذي خرج من الباب ليدخل من الشباك كذلك طافت الرابطيات بالعرائض التي تطالب بإنشاء مدارس ومستشفيات ودور حضانة وتعبيد طرق وإيصال النور، وبإمكانياتها البسيطة أمنت عشرات المدارس لتعليم الأميات ونشر الوعي الصحي بين العاملات والفلاحات والأوساط الفقيرة.
إن المرأة نصف المجتمع ولا تستطيع أن تقف مكتوفة الأيدي إزاء الأخطار التي تهدد بلادها لذلك سارت الرابطيات جنباً إلى جنب مع الرجل في المظاهرات الوطنية التي تندد بالاستعمار وأحلافه كالدفاع المشترك، والنقطة الرابعة، وعندما تعرض الأحرار من إخوتنا إلى الاضطهاد والتعذيب في زمن الديكتاتوريات التي توالت على بلادنا هبت النساء مطالبات بالحرية والإفراج عن المعتقلين وتجنيد كل الطاقات في سبيل بناء الوطن وازدهاره ولم تسلم الرابطيات من الأذى فقد لوحقن واعتقلن وعذبن وأهن.
ومثلت الرابطة خير تمثيل المرأة العربية السورية في المؤتمرات العربية والمنابر الدولية وطرحت مطالبها العادلة في بيروت وباريس وفيينا وغيرها من المدن وطالبت بشدة بمنع بيع الفتيات وحملت هذه الراية بشجاعة مما دعا لجنة من حقوق الإنسان إلى لفت نظر المسؤولين وقد لوحق السماسرة الذين كانوا يصدرون الفتيات إلى السعودية وغيرها بشدة.
وكانت القضية الفلسطينية من أهم المسائل التي كانت تشرحها مندوبات الرابطة بلا كلل من فوق جميع المنابر الدولية التي سنح لنا الكلام من عليها وقد نجحنا باجتذاب آلاف الأصدقاء إلى جانب هذه القضية العادلة.
ومن خلال انتساب الرابطة إلى الاتحاد النسائي العالمي وطدنا الصداقة مع جمعيات نسائية تقدمية في كافة الأقطار كانت تقف إلى جانب بلادنا وشعبنا في الأيام العصيبة وتنقل آمالنا وأمانينا إلى شعوب بلادها.
وقد ساهمت الرابطة بقسطها المتواضع أيضاً بالتضامن مع نساء آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية في معارك النضال والتحرر.
وإننا إذ نحتفل بالذكرى العشرينية لتأسيس رابطتنا نمد يد الصداقة والتعاون إلى كافة النساء التقدميات والوطنيات في بلدنا ونأمل أن يكون التعاون الذي تم بيننا وبين الاتحاد النسائي إبان العدوان الإسرائيلي الاستعماري وفي المناسبات الأخرى منطلقاً لمزيد من التعاون والعمل المشترك من أجل صيانة استقلال بلادنا وحماية مكتسباتها التقدمية وإزالة آثار العدوان. من أجل ازدهار بلادنا وسعادة أطفالنا.
ألف تحية لك أيتها الأخت العربية في الأرض المحتلة. إننا ننحني إجلالاً أمام بطولاتك وصمودك في الجليل والخليل ونابلس ورام الله والقدس. فلقد ضربت أروع الأمثلة في المقاومة فلم تأبهي برصاص المحتل أو سوط الجلاد.
أيتها الرابطيات في مختلف المدن والقرى السورية تحياتنا إليكن في هذه الذكرى وإلى المزيد من العمل والتفاني في سبيل رفع مستوى حياة الأسرة والطفل، ولزيادة الوعي والتضامن في سبيل حياة سعيدة لكافة أبناء بلدنا.
حول أوضاع عاملات الكونسروة
يعمل في معمل كونسروة الحديثة ومعمل الصناعات الزراعية عدد هام من العاملات ورغم أن المعملين قد أمما فإن إدارتهما مع الأسف لا تزال تتبع نفس الأساليب التي كان يتبعها أرباب العمل السابقون مع العاملات لحرمانهن من الحقوق.
ورغم أن أكثرية العاملات أمضين حوالي تسع سنوات فلا يزلن عاملات مؤقتات محرومات من أهم الحقوق. فهن يعملن تسعة أشهر في السنة ويتوقفن في الشتاء. وحتى لا يتم تثبيتهن تلجأ إدارة المعمل إما إلى إيقاف العاملات عن العمل مدة خمسة عشر يوماً أو إلى إجراء المبادلة والمناقلة بين عاملات هذين المعملين اللذين يخضعان لإدارة موحدة.
وهكذا يبقين محرومات من الحقوق التي يكفلها القانون للعاملات المثبتات فلا ضمان اجتماعي ولا زيادة في الأجر عن الحد الأدنى.
إن وضعاً كهذا وضع مجحف ولا يجوز أن يستمر ولا أن تستمر هذه الأساليب. في ظل حكم تقدمي يستهدف تعزيز مكاسب الطبقة العاملة. ونحن نرى أنه من الضروري سن تشريع معقول يضمن حقوق العاملات المؤقتات.
الزاوية النظرية
إنه لمن السذاجة القول بأن المرأة كانت عبداً للرجل أول ظهور المجتمع فالمرأة لم تكن تحتل منزلة حرة فحسب، بل منزلة محترمة جداً بين جميع الشعوب، حتى أن النسب في تلك العصور يعود للمرأة. وكانت النساء في تلك المرحلة يقمن بجمع الثمار وجذور النباتات، وإعداد الطعام، وكان الاعتماد الغذائي للعشيرة بالدرجة الأولى على جهد المرأة الذي تبذله في الجمع والتخزين للطعام والاعتناء به لحين الحاجة. في حين كان الصيد البري الذي يمارسه الرجل في بعض الأحيان، لعدم توفره دائماً، لا يؤمن مورداً مستمراً للمعيشة. وكانت الحياة مشتركة في العشيرة والمؤن مشتركة وعلى الرجل أن يقوم أيضاً بنصيبه بالتموين المشترك والويل له إذا تكاسل عن القيام بواجبه، فمن الممكن أن يؤمر بأن يحمل حاجياته ويرتحل.
وهكذا تحدد دور المرأة الرئيسي في الدرجة الأولى في كونها المورد النظامي والمستمر للغذاء. تلك المرأة التي كانت عشيرتها تنظر إليها نظرتها إلى سيدة حقيقية. وهي فعلاً سيدة بحكم منزلتها أعلى بكثير من سيدات الحضارة الحاليات، المحاطات بمظاهر الاحترام المزيفة، والبعيدات عن كل عمل حقيقي اللاتي يحتلن مكانة اجتماعية أدنى جداً من مكانة تلك المرأة البدائية، التي كانت تقوم حتى بأشق الأعمال وأتعبها وما ارتفعت المرأة في تلك العصور إلى هذه المكانة العالية في مجتمعا إلا بالعمل، العمل وحده.
بعد ما أصبح بمقدور الرجل أن يؤهل الحيوانات التي يتمكن من الإمساك بها، نشأ فرع جديد في الاقتصاد المعاشي، هو تربية الماشية. بعد ظهور تربية الماشية وما تدره من غذاء مستمر أصبحت كل الوسائل السابقة لكسب القوت في الدرجة الثانية من الأهمية حتى الصيد أصبح كمالياً. إن تربية المواشي كانت من عمل الرجل بشكل رئيسي يضاف إليها توسيع الأراضي المزروعة نظراً لاستخدام الحيوانات كقوة جر. وهذه الأعمال التي كانت تتطلب قوة الرجل الجسمانية والتي كانت تعجز عنها المرأة تضعضعت سلطة المرأة في ذلك المجتمع نقلتها من المرتبة الأولى التي كانت تقوم فيها بالدور الرئيسي للممول للطعام إلى الدرجة الثانية. خصوصاً بعد اعتماد الزراعة على المحراث اليدوي وهكذا أصبح الرجال الذين يعملون في الزراعة وتربية الماشية يحتلون الدور الأول في حين أصبح عمل المرأة المنزلي ثانوياً. وأصبح الرجل رب العائلة الاقتصادي ولكنه رغم ذلك لم يكن بوسع أولاده أن يرثوه لأن الأولاد كانوا ينسبون إلى الأم فلم يكن هناك بد من القضاء على النسب القديم الذي ينسب الأولاد إلى الأم، ولما كان هذا من مصلحة المرأة أيضاً ففيه ضمان حق أولادها في الإرث من أبيهم الميسور فأصبح الأولاد ينسبون إلى الأب ومنذ القضاء على عصر الأمومة بالنسب ابتدأ عصر جديد للمرأة فالرجل تسلم دف الأمور حتى في البيت وأصبحت المرأة مجرد أداة لإنتاج الأولاد ومع التطور التاريخي من العصور القديمة حتى عصرنا هذا مروراً بالمدنية الرومانية واليونانية وغيرها من الحضارات ظلت مكانة المرأة في الأسرة بالدرجة الثانية على اختلاف تلك المكانة من مجتمع إلى آخر سوءاً أو جودة، لكن ظلت المرأة فيها عبداً للرجل وتابعة له يملك أن يتزوج عدداً من النساء في وقت واحد وأن يطلقهن كما يشاء واستمرت تلك الحال حتى نشوء الصناعة الحديثة في الأزمان الحاضرة حيث أصبح بوسع المرأة أن تشارك الرجل في العمل. هذا العمل الذي يعتمد على التكنيك أكثر مما يعتمد على القوة البدنية وهكذا فنفس الأسباب التي أقامت سلطة الرجل وجعلت مكانة المرأة في الدرجة الثانية، تعود لتفسح الطريق للمرأة لتأخذ مكانها الطبيعي إلى جانب الرجل ندين وصديقين. فمنذ أن نقلت الصناعة الضخمة المرأة من البيت إلى ميدان الإنتاج والعمل جاعلة منها في أحيان كثيرة كاسبة قوت البيت. فقدت آخر بقايا سيطرة الرجل في البيت العمالي كل أساس تقوم عليه باستثناء بعض الرواسب من العصور الماضية وهكذا فالصناعة الضخمة هي التي فتحت الطريق أمام المرأة العاملة إلى الإنتاج الاجتماعي. لتشارك الرجل بالعمل ولتتخلص من عبودية المنزل لتقع مرة أخرى في إسار عبودية الرأسمالي الذي يريد أكبر كمية من العمل في أقل وقت ممكن. ولا يدع لها أية فرصة لتعبر عن إنسانيتها مدمراً نفسيتها بالتناقضات القائمة بين عملها ومنزلها وأولادها وكان لابد للمرأة للتخلص من تلك العبودية بعدما تخلصت من عبودية المنزل وعبودية كونها إنساناً غير منتج من أن تقف إلى جانب الرجل في بلدان كثيرة وتناضل ضد الرأسماليين فحبست وشردت حتى أرسيت النظم الاشتراكية في بلدان كثيرة تلك النظم التي تعود فيها ملكية وسائل الإنتاج إلى الشعب العامل الذي تؤلف المرأة فيه نصف أعضائه والتي تحقق للمرأة أول ما تحقق أبسط القواعد الإنسانية في مساواتها بالرجل في الأجر للعمل الواحد وهكذا وبانتقال ملكية وسائل الإنتاج إلى الشعب في النظام الاشتراكي تتحقق للمرأة تلك المكانة التي طالما حلمت بها في العيش كإنسانة جديرة بالحياة يمكنها أن تنصرف إلى عملها مطمئنة طالما أن أولادها يمكثون في دار حضانة تؤمن لهم الدولة فيها كافة أسباب الرفاه وتنتفي التناقضات بين وضعها كأم وعملها كإنسانة في مجتمع تساهم في بنائه لتختفي فيه إلى الأبد، ومع مرور الأيام، رواسب عبوديتها الماضية ولتمارس دورها الكامل في الحياة.
وهكذا فالنضال لأجل بناء المجتمع الاشتراكي معناه النضال لاستعادة المرأة حقوقها كاملة.