المحتويات
إقبال ..المرأة الإنسانة: بقلم وصال فرحة
إقبال … المرأة الإنسانة
منذ أيام اختطفت يد المنون، صديقتنا الرسامة إقبال قارصلي، عضو مكتب دمشق لرابطة النساء السوريات لحماية الأمومة والطفولة.
أسماها البعض امرأة من كريستال وأسماها آخرون المرأة الباسمة، وأصدق تسمية لها هي الإنسانة بكل ما في هذه الكلمة من معانٍ.
ولدت إقبال في دمشق المدينة التي عشقتها، وفي مطلع صباها غادرتها إلى تدمر بحكم عمل زوجها ولم لم تبلغ الرابعة عشر بعد. وفي تدمر وبين أطلال مملكة عريقة ساستها امرأة عربية، الملكة زنوبيا التي سارت على رأس جيش قرع أبواب روما ـ تعيش حفيدات لزنوبيا مغلولات مكبلات ـ يا لسخرية التاريخ ـ وإقبال نفسها رهينة المحبسين، البيت والحجاب، لقد أدمت هذه الحقيقة عند إقبال ألف جرح وجرح، فخرجت تنشد الجواب من رمال الصحاري، من همس النخيل، من سكون الليل.
ودوى سؤال هائل مرعد، يلاحقها، يصم مسمعها لماذا؟ لماذا؟
وتفجرت براكين الغضب الصامت فعمدت إلى الألوان ترسم وترسم، حتى الجدران الحوارية، انقلبت إلى واحات راقصة، كم كانت إقبال تكره الجدران…
في مطلع حياتها الفنية رسمت إقبال الطبيعة صديقها الوحيد في غربتها الروحية.
وبعد أن عايشت بسطاء الناس عرفت أن الإنسان هو أجمل نتاج لهذه الطبيعة، فازدانت لوحاتها بالوجوه البشرية الغنية، والسواعد القوية، أبرز شيء في الوجوه التي رسمتها إقبال هي العيون التي تحكي، في عيون البدوية، والفلاحة، والغسالة، والعامل، والطفل يرتدد سؤال واحد لماذا؟ لماذا؟
الفن موهبة قبل كل شيء ولكن الدراسة تصقل هذه الموهبة وتغنيها، لذلك التحقت إقبال بأحد المعاهد المصرية وراسلت أكثر من مؤسسة فنية من مختلف أرجاء العالم.
كان نتاج فنانتنا ينتمي إلى المدرسة الواقعية وانفردت هي بأسلوب خاص، يمتاز (بالهارمونية) الكبيرة في الألوان، تلك الألوان المرحة المتفائلة الممزوجة بشمس سورية الصافية، لقد أرادت إقبال أن تدخل الشمس إلى الغرف المظلمة لتلفها بالدفء والحنان.
تمتاز السنون الأخيرة من حياة إقبال القصيرة الغنية، بالعطاء السخي، عشرات المعارض أقامتها في دمشق، وبيروت وموسكو وبرلين، وأخيراً في الطبقة.
وفي الرابطة كانت ينبوعاً عذباً، فهي تعلم الخياطة في الأحياء الشعبية، والكتابة في الأرياف والقرى كانت تقول: بسعادة: الآن صرت أشعر بجدوى حياتي، لا تعلمون مقدار الراحة التي تغمر قلبي مع كل حرف أعلمه لعاملة وكل غرزة أدرب عليها فلاحة. الآن أتاني الجواب.
إقبال كانت أول فنان يزور الطبقة، لقد رسمت العمال وعاشت بينهم، وحملت لوحات رائعة للأرض والإنسان وعندما عادت إلى دمشق كانت أشبه بطفلة تعود من رحلة كشفية، كلها أمل وتفاؤل. تقولا لولا أنني افتقدت طالباتي لبقيت في الطبقة مدة أطول.
آخر لوحتين لأم وليد كانتا: الفدائي، والنازحون، وقد كتبت تحت الأخيرة متى؟!!
ماتت إقبال، وهي عائدة من أحد صفوف تعليم الأميات، ماتت الإنسانة المعطاءة، التي عشقت الحب والخير والجمال.
إن إقبال ستعيش في قلوب الرابطيات، في قلوب العاملات اللواتي حملت إليهن نور المعرفة، ستعيش في الرسوم الرائعة.
وستبقى الشمس الممزوجة بأرض بلادنا تشع في الغرف المظلمة.
بقلم وصال فرحة