احتفل العالم أجمع في هذا الأسبوع بيوم المرأة العالمي، وينقسم العالم العربي تجاه قضية المرأة إلى ثلاث فئات، الفئة الأولى من الناشطين والناشطات في مجال المرأة، وهي فئةٌ تسعى لتحقيق عالمٍ ومجتمعٍ أفضل، لكن التقدّم المنجز في مجال عملهم مازال يسير بسرعة الحلزون، وما تزال جرائم الشرف ترتكب، والقاصرات يُبعن باسم الزواج، والعنف الأسري يُطبق “بمساواة” بين الطفل وأمه، لتستمر حلقة العنف في المجتمعات العربية بالدوران، الأمر الذي دفع هذه الفئة للملل عملياً ووجودياً، فبينما تُفكر الدول المتقدمة بالأساليب المثلى لإقامة مستعمراتها على كواكب المجموعة الشمسية الأخرى وما هو أبعد من ذلك، ما تزال الدول العربية غارقة بنقاشات من نوع هل يجوز خروج المرأة من البيت بما أن كل ما فيها عورة! وقد عبرت الكاتبة السورية “سمر يزبك” معذورةً عن حالة هذه الفئة عندما كتبت على صفحتها الشخصية بالفيس بوك:
“أصدقائي الرائعين يرسلون لي بطاقات في عيد المرأة: مللت شعارات المساواة وهراء الحرية والنضال والتقدم و…”
نعم ستملّ سمر ويمل معها الكثير طالما أن الفئة الثانية ممن يطلقون على أنفسهم، سلفيين وسلفيات، دعاة وداعيات، .. يسيطرون على عقول السواد الأعظم من الجماهير العربية، خاصة فئة الشباب، ناظرين إلى مصطلحات من مثل حقوق المرأة، الجندر، السيداو، على أنها أسلحة نووية غربية تستهدف آخر القلاع الإسلامية في وجه الغرب الكافر، أي المرأة، وبالتالي الأسرة المسلمة.
وبمناسبة يوم المرأة العالمي أرسلت لي مجموعة من الفتيات العربيات دعوة على الفيس بوك لحضور لقاء تحت عنوان: “يوم المرأة العالمية.. أم الغربية؟ نرفض القول: إن مطالب المرأة الغربية هي نفسها مطالب كل امرأة في العالم “لا لليوم العالمي للمرأة”. ولدى تلقيّ لهذه الدعوة، انتابني إحساس وكأن مشاكل وقضايا المرأة العربية اختفت فجأة ولم يبقَ لنا من هموم وشجون سوى مقاطعة يوم المرأة العالمي.
ولم أدرِ من هن أو هم هؤلاء، لكن لدى بحثي على شبكة الانترنيت وجدت أن هناك مقالاً نشر بتاريخ 9-3-2003 على موقع “إسلام أون لاين” يحمل العنوان نفسه لكاتبٍ وباحثٍ سوري يدعى “معتز الخطيب”، وقد تبنت هذه المجموعة التي أرسلت لي الدعوة المقال بكامله إضافة إلى “وثيقة حقوق المرأة المسلمة وواجباتها”، والمثير للاهتمام أنّ الباحث الخطيب في مقاله الذي تبنته المجموعة المناهضة لليوم العالمي للمرأة كتب ما يعكس تفكير الفئة الثانية تجاه قضايا حقوق المرأة، حيث يقول:
“إن فكرة “عالمية” حقوق المرأة التي تستدعيها عالمية يوم المرأة، وفق الأجندة المطروحة للأمم المتحدة، تتصل بهذا التحيز، في محاولة لفرض النموذج الغربي المادي (تم إحصاء 40 فقرة تخالف الأديان في مؤتمر السكان والتنمية) من خلال مؤتمرات الأمم المتحدة، وتسخير سلطتها لإعطاء الشرعية للنموذج قانونياً وسياسيّاً من خلال اتفاقيات تتعهد الدول الأعضاء بالإذعان لها، وتنفيذها عبر لجان ومؤسسات تراقب عملية التنفيذ.
ولعل أبرز تلك المؤتمرات والاتفاقيات: اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو” (1979)، والمؤتمر الدولي للسكان والتنمية (1994)، ومؤتمر بكين (1994)، والتي ركزت على قضايا مركزية في النموذج الغربي، هي: الحرية الجنسية، والإجهاض، ومصطلح الجندر، وحقوق المرأة كفرد وليست كعضو في الأسرة، والمساواة/المماثلة التامة بين الذكر والأنثى، وإلغاء مفهوم “تمايز” الأدوار، وازدراء “الأمومة”، واعتبار العمل المنزلي “بطالة”؛ لأنه دون مقابل مادي…”.
وتتبنى هذه الفئة بمعظمها ما ورد في “وثيقة حقوق المرأة المسلمة وواجباتها”، حيث تعبر الفقرة التالية عن روح هذه الوثيقة تجاه قضايا المرأة:
“ضرورة إسهام المرأة المسلمة بشكل فاعل في تحمل مسئوليتها الاجتماعية، وفي ممارسة دورها الحقيقي، من خلال التعبد الحق لله. ومن مظاهر هذا التعبد، اجتماعياً، حسن تربيتها لأولادها، وحسن رعايتها لأسرتها، وقرارها في بيتها إلا لحاجة وإشاعتها العفة في المجتمع بحفاظها على حشمتها وعرضها، ودعوة بنات جنسها للخير، وتحذيرهن من الشر”.
يطرح ما سبق تساؤلاً: ما هي اتفاقية سيداو حتى تستحق كل هذا الرعب الذي تولده؟! وهل يتم تعريف الجمهور بها بموضوعية أم بعداء لا يرتبط بجوهر الاتفاقية، وإنما بنزعات استملاك الرجل للمرأة من منطلق استملاك الحر للعبد؟!
تعتبر اتفاقية “سيداو” المؤلفة من 30 مادة أهم اتفاقية دولية خاصة بالمرأة تتبناها الأمم المتحدة، وتتضمن الإشارة إلى تعزيز ممارسة المرأة لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، بما فيها حرية المشاركة التنموية والاجتماعية والسياسية والدولية، ومحاربة كل أشكال الاتجار بالمرأة واستغلالها، كما نوهت إلى تعهد الحكومات بدعم الإجراءات الموجهة للمرأة في مجالات التعليم والعمل والتوجيه الوظيفي والمهني، ومحاربة أمية المرأة التعليمية والتربوية وضمان الرعاية الصحية، وتعزيز مبدأ تكافؤ الفرص مع حماية أمومة المرأة وخاصة العاملة، وأكدت على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمرأة، لا سيما الريفية، والتركيز على عمل المرأة في القطاعات غير النقدية.
ونظمت المواد الأخيرة منها الوسائل الإجرائية لضمان متابعة تنفيذ الاتفاقية، إلى جانب كيفية الانضمام إليها، والتحفظ على موادها. يمثّل الموجز السابق روح الاتفاقية، فهل ما تزال تستحق كل هذا الرعب؟! أم أن الرعب هو وليد جهل ما يمكن أن نطلق عليهم الفئة الثالثة -وهم السواد الأعظم من العالم العربي- بمضمون هذه الاتفاقية والاحتفاليات التي يتم تجييشهم لمحاربتها وعدائها؟
يمكن أن يكون أي أحد من أفراد أسرنا أو أصدقائنا أو زملائنا من الفئة الثالثة، الفئة التي تعيش حالة السكون، فهي لا تشعر بالملل ولا بالرعب، إلا في بعض المناسبات، وتحت تأثير خطاب إحدى الفئتين السابقتين.
وهي بشكل عام غير معنية بالحقوق والقضايا، تسمع ما يُشاع ولا تتقصى الحقيقة، تعيش وفق المثل الشائع: “معهم معهم، عليهم عليهم”، وأنت عزيزي القارئ في أي فئة تختار أن تكون؟، ربما هناك فئة رابعة تمتلك وصفةً سحريةً.. فلا تشعر بالملل ولا بالرعب..!
إن كنتَ من هذه الفئة الرابعة فأنا بانتظار الدعوة!.